ما تفسير
هذه الآية من سورة الأعراف: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ
عَنِ الْجَاهِلِينَ}؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فقد اشتملت هذه الآية على ثلاثةٍ من أعظم أصول
الأدب، قال القاضي أبو بكر بن العربي: "قال علماؤنا : هذه الآية من ثلاث كلمات
، قد تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات ، حتى لم يبق فيها حسنة إلا أوعتها
، ولا فضيلة إلا شرحتها ، ولا أكرومة إلا افتتحتها" اهـ، وهي:
الأول: العفو ، وهو في لسان العرب خالص الشيء وجيده، ويطلق على السهل
، وما يأتي بدون طلب ، كما يطلق على إزالة الشيء، ومنه قولهم: عَفَت الرياحُ الديارَ
والآثارَ، وعلى إزالة أثر الشيء، كالعفو عن الذنب، فالمراد إزالة أثره، وهو منعُ ما
يترتب عليه من العقاب ، قال ابن عباس رضي الله عنهما في الآية: "خذ ما عفا لك من أموالهم" أي: ما فضل،
وعن عائشة وعبد الله بن الزبير رضي الله
عنهما: "خذ ما عفا لك من أفعال الناس وأخلاقهم ، وما أتى منهم وسهل عليهم من غير
كلفة". قال الشاعر:
خذي العفوَ
مني تستديمي مودتي ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
الثاني : العُرف: والمراد به ما تعارفه الناس من الخير ، وهو ضد المنكر،
ويراد به كل ما تعرفه النفسُ من الخير، وتطمئن إليه من خير وترك شرٍّ، فهو : اسمٌ جامعٌ
لكل ما عُرِف من طاعة الله، والتقرُّب إليه ، والإحسان إلى الناس، وكل معروف بين الناس
إذا رأوه لا ينكرونه ، فالأمر بالعُرف تناول جميع المأمورات والمنهيات.
الثالث : الإعراض عن الجاهلين، وهم السفهاء، بترك
معاشرتهم وعدم مماراتهم، ولا أصون للنفس وأكرم لها من الإعراض عن الجاهلين ؛ لأنهم
لا يطلبون الحق إذا فقدوه ، ولا يأخذون بما يخالف أهواءهم إذا وجدوه ، ولا يرعون عهدا
، ولا يحفظون وِدًّا .
قال المفسرون: ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق
من هذه الآية ، وقد سُبك معناها في بيتين:
خُذ العفوَ وأمرْ بعرفٍ كما أُمرتَ
وأعرِضْ عن الجاهِلِين
ولِنْ في الكلام لكلِّ الأنامِ فمستحْسَنٌ من ذوِي الجاهِ لِين
والله الموفق
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 4/7/1437هـ