البقاءُ مع زوجٍ يتاجِر في المخدَّراتِ، والعيشُ مِنْ دَخلهِ
زوجي يتاجر في
المخدرات فما حكم نفقته عليها ؟
الحمد لله رب
العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإن الواجب على
هذه المرأة ابتداءً أن تنصح لزوجها، حتى يتجنب هذا العمل المحرم، والذي يجلب عليه
وعلى غيره من المسلمين الضرر والآفات والشرور والآثام، وتخبره أنه لا يجوز له
الاستمرار فيه، بل عليه التوبة النصوح منه، والبحث عن عمل مباح، فقد جاء في الحديث
عن كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا يَرْبُو لَحْمٌ
نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ) أخرجه الترمذي، وصححه الألباني.
والسُّحت هو الحرام
الذي لا يحل كسبه ؛ لأنه يُسحِت البركة ويذهبها، ويشمل هذا كل كسب محرم، سواء كان من
المخدرات أو بيع الخمر أو بيع الدخان ونحوه، كما يشمل الإجارات المحرمة، كالإجارة
على الرقص والغناء والسحر والشعوذة ونحوه، (فالنار أولى به) أي: بصاحبه، وهذا يعود
على البدن بالخبث، فكلما كان الكسب خبيثا، وتغذى به البدن، كان البدن خبيثا، حتى
تكون النار أولى به، قال شيخ الإسلام: "الطَّعَامَ يُخَالِطُ الْبَدَنَ وَيُمَازِجُهُ
وَيَنْبُتُ مِنْهُ فَيَصِيرُ مَادَّةً وَعُنْصُرًا لَهُ ، فَإِذَا كَانَ خَبِيثًا صَارَ
الْبَدَنُ خَبِيثًا فَيَسْتَوْجِبُ النَّارَ ".
وعليها أن تذكِّره
أن من أول ما يسأل عنه المرء يوم القيامة: مالَه، من أين اكتسبه؟ وتحذره من ذلك تحذيرا شديدا.
مبينةً له أن
المال الحرام مانع من استجابة الدعاء، كما عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يده إلى السماء،
يا رب يارب، ومطعمُه حرام، ومشربُه حرام، وملبسُه حرام، وغذي بالحرام، فأني يستجاب
لذلك؟! وأي حرمان أعظم من أن يدعو العبدُ ربَّه، فلا يستجيب له؟!
فعلى المرأة أن تداوم
على نصح زوجها الذي يعمل في هذا المجال الخبيث، وتكرر عليه.
كما أن لها الحق
أن تطالبه بالنفقة من كسب طيب، فإن تعذر واستطاعت أن تكسب بنفسها كسبا حلالا طيبا،
فهو أولى، وإلا فلها أن تأخذ من ماله بقدر ما تحتاج، والإثم عليه هو، ولا ضرر
عليها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم - وهو سيد المتقين - قد أكل عند اليهود،
وقصته مع اليهودية التي سمَّته مشهورة ، وأجاب دعوة اليهودي، وهم أهل رشاوى وربا وسحت
وأكل مال بالباطل، ولم يمنعه ذلك من الأكل عندهم، وإجابة دعوتهم، وذلك أن العبد
يسأل عن كسبه هو، وليس عن كسب غيره.
قال الشيخ ابن
عثيمين رحمه الله : " وأما الخبيث لكسبه، فمثل المأخوذ عن طريق الغش، أو عن طريق
الربا، أو عن طريق الكذب، وما أشبه ذلك؛ وهذا محرم على مكتسبه، وليس محرما على غيره
إذا اكتسبه منه بطريق مباح؛ ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود،
مع أنهم كانوا يأكلون السحت، ويأخذون الربا، فدل ذلك على أنه لا يحرم على غير الكاسب.
وعليه فكل من دخل
عليه المال المحرم لكَسْبه - لا لعينه - بطريق مباح، فهو حلال له، كالأولاد ينفق
عليهم أبوهم، فالنفقة طريق مباح، وكالجار يهدي إليك، وهو يتعامل بالمحرمات،
فالهدية طريق مباح.
ويدل له أيضا قوله
صلى الله عليه وسلم في قصة بريرة رضي الله عنها لما أُتي بلحم تصدق به على بريرة، فقال
صلى الله عليه وسلم : ( هو عليها صدقة ، وهو لنا هدية )، مع أن الصدقة محرمة عليه
صلى الله عليه وسلم، لكن لما دخلت عليه بطريق مباح، وهو الهدية قبلها .
والله الموفق
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 30/2/1430هـ