المتناظرات الفقهية في العبادة بنِيَّتين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن كثيرا من الناس يسألون عن الجمع بين طواف الوداع وطواف الإفاضة مثلا بنية واحدة، وماذا لو غلبت إحدى النيتين على الأخرى، أو غابت إحدى النيتين، فأقول وبالله التوفيق:
هناك عدة مسائل لها نفس الصورة، ويسمى ذلك في علم الفقه بالتنظير الفقهي، أو الجمع بين النظائر، ومن ذلك: الجمع بين طواف الوداع وطواف الإفاضة بنية واحدة، والجمع بين غسل الجمعة والغسل الواجب من جنابة ونحوه بنية واحدة، والجمع بين راتبة الفريضة وبين تحية المسجد بنية واحدة، ونحو ذلك من المسائل.
بداية يجب أن نفهم أن المقصود في هذه الصور الثلاثة ليس العبادة المعينة، إنما المقصود إيقاع جنس هذه العبادة في هذا الموضع، فيريد الله من داخل المسجد شغل المحل بصلاة تعظيما للمسجد، وكذا حصولُ غسلٍ يوم الجمعة؛ وذلك أنه يوم عيد المسلمين الأسبوعي، وفيه يجتمع الناس، فكان الأولى أن يكونوا في أحسن هيئاتهم، وكذا تعظيم البيت بطواف قبل الخروج منه، فهذه العبادات ليست مقصودة للشارعبعينها ، إنما المقصود حصول أمر آخر، وهو تعظيم البيت، وتعظيم المسجد، وتعظيم الجمعة، فمن ثَمَّ شرعت هذه الأمور الثلاثة، لا لذاتها، وإنما لغيرها، وبناء عليه:
فلو أن شخصا دخل المسجد، وصلى الراتبة أجزأته عن تحية المسجد، وكذا لو صلى الفريضة أجزأته عن تحية المسجد؛ وذلك أن المقصود من تحية المسجد، وهو شغل المحل بصلاة قبل الجلوس، وقد حصل بالراتبة أو الفريضة.
وكذلك لو اغتسل يوم الجمعة عن الجنابة أجزأه عن غسل الجمعة، ولو امرأة أرادت الخروج لصلاة الجمعة، وهو خلاف السنة، لكن أرادت ذلك، واغتسلت من حيضها أجزأها أيضا عن غسل الجمعة؛ لأن المقصود من غسل الجمعة حصل بغسل الجنابة أو الغسل من الحيض.
ولو أن شخصا أراد أن يطوف للإفاضة، وهو آخر ما يكون منه بالبيت أجزأه عن طواف الوداع، لأن المقصود حصل، وهو أن آخر عهده بالبيت كان طوافا.
فإن قيل: هل يشرع الجمع بين النيتين؟ فالجواب: نعم، لا بأس في ذلك، وهو مذهب جمهور الفقهاء، لكن الأحوط الاقتصار على نية العبادة المعيَّنة، واجبةً كانت أم مستحبةً، فيقتصر على نية راتبة الفريضة مثلا، ولا يشرِّك بينها وبين نية تحية المسجد، ويقتصر على نية غسل الجنابة يوم الجمعة، ولا حاجة للجمع بينه وبين نية غسل الجمعة، ويقتصر على نية طواف الإفاضة دون نية طواف الوداع، وهذا آكد، وهو أكثر ما يقع فيه الخلط والسؤال، وأمره أعظم الأمور، لأنه أحد أعظم أركان الحج، فلا حاجة أن يستحضر نية طواف الوداع والإفاضة، إنما يقتصر على نية الإفاضة، مادام سيكون هذا الطواف آخر عهده بالبيت.
والله تعالي ولي التوفيق
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 15/10/1439هـ