الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد .
فإن من أخطر ما يُمارس في كثير من البلدان الإسلامية ما يتساهل فيه الموظفون في قبل الهدايا التي تبذل إليهم بسبب ما هم فيه من وظائف ومهام، وربما زين لهم المهدي الهدية بقوله : "هذا من حر مالي، وأنا أعطيه لكل أحد" !! كذبا وزورا، ولولا هذه الوظيفة ما أعطاه، ولا نظر في وجهه.
فهذا من هدايا العمال التي حذر منها الشارع، وتوعد فاعلها بأعظم الوعيد، والمقصود بها ما يدفع للعمال والموظفين ونحوهم بسبب ما هم من وظيفة أو منصب أو عمل مسند إليهم، وقد ورد التحذير من صورة وقعت في العهد النبوي ، وهي بعينها تمارس في زمننا هذا، ففي الصحيحين عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِىِّ رضي الله عنه قَالَ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً مِنَ الأَسْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا لِى أُهْدِىَ لِى!!
فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: « مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِىَ لِي؟!!! أَفَلاَ قَعَدَ فِى بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِى بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لاَ ؟!
وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ، بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ » ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَىْ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ: « اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ». مَرَّتَيْنِ.
كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم هدايا العمال بأنها غلول، فعند أحمد عن نْ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ »
والغلول أمره عظيم، فإن الغال يأت يوم القيامة بما غل، ففي الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فذكر الغلول فعظم من أمره ثم قال يا أيها الناس لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته شاة لها يعار فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ولا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجئ يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك.
فعلى من يعمل في تلك الوظائف التي تفتح له بابا لهذه الهدايا أن ينتبه، ففي مثل عمله فتنة كبيرة، وهي التعرُّض لبذل تلك الهدايا، والتي لا يبذلها المورِّد حبًّا في هذا الموظف، فالموظف بشخصه لا يعنيه، لا من قريب، ولا من بعيد، ولكن لما يرجوه من استمراره في التعامل معه، وجعله هو مورده الأول أو الأوحد، فيبذل لذلك الكثير؛ ولذلك لو ترك العمل لن يأتيه، ولن يهديه.
والله الموفق.
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 25/3/1435هـ