المواد / المقالات / بعضٌ من الأدبِ النبويِّ مع الأحلام

بعضٌ من الأدبِ النبويِّ مع الأحلام

تاريخ النشر : 26 جمادى أول 1446 هـ - الموافق م | المشاهدات : 3077
مشاركة هذه المادة ×
"بعضٌ من الأدبِ النبويِّ مع الأحلام "

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

د.الدالي: بعضٌ من الأدبِ النبويِّ مع الأحلام

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فإنه من كثرة ما يرد من أسئلة حول تعبير وتفسير الأحلام، وتهافت الناس فيها، وشدة اهتمامهم لها، بل وانفعالهم وارتباطهم بها في حياتهم، حتى أصبح الشخص يعيش مهموما من حلم رآه، فربما ردَّه عن فعل خير، أو عن المضي في زواج أو عمل ونحوه من مصالح الدنيا؛ وفي نفس الوقت استغل المنشغلون بتفسير الأحلام هذه الحالة، فأصبحت سوقهم رائجة، تجدهم على سائر نوافد الاتصال، الجوالات والقنوات الفضائية وغيره؛ لذا رأيت أن أكتب على عجالة شيئا من الأدب النبوي الكريم في التعامل مع الأحلام والرؤى.

بداية ما يراه الإنسان في منامه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول: رؤيا يراها في منامه، وهذا من الخير، وهي من الله سبحانه، وهو قليل حصوله.

والصادقة منها هي رؤيا الأنبياء ومَن تبعهم مِن الصالحين ، وقد تقع لغيرهم نادرا، كالرؤيا الصحيحة التي رآها الملِك وعبّرها له النبي يوسف عليه السلام، والرؤيا الصّادقة هي التي تقع في اليقظة على وفق ما وقعت في النوم.

الثاني: حلم، وهو من الشيطان، فيري النائم في منامه أشياء تزعجه، وهذا أكثر ما يقع للناس، وفيه آداب أذكرها.

ومن جنس ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لأَعْرَابِيٍّ جَاءَهُ فَقَالَ : إِنِّي حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِي قُطِعَ فَأَنَا أَتَّبِعُهُ ، فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : ( لا تُخْبِرْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ ).

الثالث: أشياء تقع في يقظة الشخص مما يمر به، وتتعلق بها نفسه، ثم يرى أثر ذلك في منامه، فهي من جنس حديث النفس، ولا تزعجه في الغالب، فهذه لا حكم لها.

يدل لهذه القسمة ما أخرجه ابن ماجه بسند حسن عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الرُّؤْيَا ثَلاثٌ: مِنْهَا أَهَاوِيلُ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ بِهَا ابْنَ آدَمَ ، وَمِنْهَا مَا يَهُمُّ بِهِ الرَّجُلُ فِي يَقَظَتِهِ فَيَرَاهُ فِي مَنَامِهِ ، وَمِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: ( الرُّؤْيَا ثَلاثٌ : فَبُشْرَى مِنَ اللَّهِ ، وَحَدِيثُ النَّفْسِ ، وَتَخْوِيفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا تُعْجِبُهُ فَلْيَقُصَّ إِنْ شَاءَ وَإِنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلا يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ وَلْيَقُمْ يُصَلِّي ) أخرجه ابن ماجه .

أما الأدب الشرعي في التعامل مع ما سبق ، فيجمعه حديث أبي سعيد رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها ، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره } رواه البخاري.

 وعن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان فإذا حلم أحدكم حلما فلينفث على يساره ثلاثا وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره } .

وفي رواية: { فليبصق عن يساره حين يهب من نومه ثلاثا } .

وفي رواية: { فإذا رأى أحدكم شيئا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثا }.

ولمسلم: { فليتحول عن جنبه الذي كان عليه }.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (... فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ وَلا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ ) رواه مسلم.

 وفي رواية: { الرؤيا الصالحة من الله والرؤيا السوء من الشيطان ، فمن رأى رؤيا فكره منها شيئا فلينفث عن يساره وليتعوذ بالله من الشيطان فإنها لا تضره ولا يخبر بها أحدا ، فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر بها إلا من يحب } .

وفي رواية: { فليتفل عن يساره ثلاثا وليتعوذ بالله من شر الشيطان وشرها ولا يحدث بها أحدا فإنها لن تضره  } أخرجه البخاري ومسلم .

        فدل هذا الحديث برواياته الكثيرة على أن هناك فرقا بين الرؤيا وبين الحلم، وأن الرؤيا من الخير، وأنها من الله، فالأدب معها: حمد الله عليها، والاستبشار بها، وأن يحدث بها الرائي من يحب.

        وأما الحلم فهو من الشيطان؛ وهو أكثر ما يقع للناس، وينشغلون به، لذا شرعت جملة من الآداب في التعامل مع الأحلام، من ذلك ما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله، مما دل عليه الحديث السابق برواياته، قال رحمه الله:

"فحاصل ما ذكر من أدب الرؤيا الصالحة ثلاثة أشياء :

أ . أن يحمد الله عليها .

ب . وأن يستبشر بها .

ج. وأن يتحدث بها لكن لمن يحب دون من يكره .

وحاصل ما ذكر من أدب الرؤيا المكروهة أربعة أشياء :

أ . أن يتعوذ بالله من شرها .

ب . ومن شر الشيطان .

ج . وأن يتفل حين يهب من نومه عن يساره ثلاثا .

د . ولا يذكرها لأحد أصلاً .

هـ. ووقع " في البخاري " في باب القيد في المنام عن أبي هريرة خامسة .. وهي الصلاة .. ولفظه فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصّه على أحد وليقم فليصلّ . ووصله الإمام مسلم في صحيحه .

و. وزاد مسلم سادسة وهي : التحول من جنبه الذي كان عليه .....

وفي الجملة فتكمل الآداب ستة ، الأربعة الماضية ، وصلاة ركعتين مثلا والتحوّل عن جنبه إلى النوم على ظهره مثلا . فتح الباري 12 / 370  .

بناء على ما أفاده هذا الحديث جليل القدر فإن على المسلم ألا ينشغل بالأحلام، ويترك اللهَث وراء تعبيرها وتفسيرها، ولا ينفق أمواله في سبيل تفسيرها وتعبيرها، بل ليأخذ بخير الهدي، هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فيتعوذ من شرِّها، ومن شرِّ الشيطان، ويتفل عن يساره ثلاثا، وليحوِّل مضجعه، وإن استطاع أن يصلي فليصل، ولا يحدث بها أحدا، فإنها لن تضره كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

ويحسن التنبيه على أن من أعظم الإثم أن يتحلم الشخص ما لم يحلمه، فيقول رأيت في الحلم كذا وكذا، ولم يكن شئ من ذلك، فعن واثلة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { إن من أعظم الفرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه ، أو يري عينه ما لم تر ، أو يقول : على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل  } رواه البخاري.

وللبخاري وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما{ من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل } .

والله الموفق

كتبه: د.محمد بن موسى الدالي

في 6/3/1435هـ

 

 

 

 

 

 


 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف