المواد / المقالات / الخلاف في نظر المرأة للرجل

الخلاف في نظر المرأة للرجل

تاريخ النشر : 9 شوال 1446 هـ - الموافق م | المشاهدات : 1297
مشاركة هذه المادة ×
"الخلاف في نظر المرأة للرجل "

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

د.الدالي: الخلاف في نظر المرأة للرجل

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فإنه كثيرا ما يقع السؤال عن حكم نظر المرأة للرجال الأجانب، سواء في الشوارع والطرقات، أو في التلفاز ونحوه، وقد اختلف العلماء في نظر المرأة للرجل الأجنبي على ثلاثة أقوال: -

القول الأول: أنه لا يجوز لها النظر من الرجل إلا إلى مثل ما ينظر هو منها، وهو رواية للمالكية، وهو أحد قولي الشافعي، والأصح عندهم، ورواية في مذهب الحنابلة.القوانين الفقهية (294)، الوسيط5/36، والإقناع 2/407، والسراج الوهاج(361)، وروضة الطالبين 7/25، والمغني 7/81 0

واستدلوا بالآتي:-

أولا: قوله تعالى: ]وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ[(النور-31) .

وجه الدلالة: أن اللهIأمر المؤمنات بغض أبصارهن وحفظ فروجهن، وقد أمر بذلك الرجال من قبل فتساووا في الحكم . المغني7/81 0

المناقشة:

نوقش بأن هذا فيه نظر؛ لأن لفظة "مِنْ" للتبعيض، ولا خلاف أنها إذا خافت الفتنة حرم عليها النظر، فإذاً هذه حال يجب فيها الغض، فيمكن حمل الآية عليها. إحكام الأحكام 4/57 0

ويمكن أن يناقش هذا بتسليم كون الأصل تساوي الرجل والمرأة في الحكم، لكـن باستثناء ما إذا قام الدليل على اختصاص أحد الحنسين بالحكم فيختص به، وقد قام الدليل على جواز نظر المرأة للرجال بقدر زائد على مجرَّد ما ينظر هو منها، سيما على القول بأن الواجب على المرأة تغطية الوجه.

قال الحافظ في الفتح: فيحرم النظر عند خوف الفتنة فقط، وإن لم تكن فتنة فلا؛ إذ لم تزل الرجال على مرِّ الزَّمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات فلو استووا لأُمِرَ الرجال بالتنقب أو منعن من الخروج. فتح الباري 9/337،336 0

ثانيا: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنت قاعدة عند النبيrأنا وحفصة فاستأذن ابن أم مكتومyفقال النبي r: "احتجبن منه" فقلت: يا رسول الله إنه ضرير لا يبصر، قال: "أفعمياوان أنتما لا تبصرانه؟! ففيه تحريم النظر إلى الرجل مطلقا . تحفة الأحوذي 8/51 0

المناقشة: نوقش هذا بالآتي:

1- أن هذا الحديث ضعيف .

2-على تقدير صحة الحديث فإن هذا خاص بأزواج النبيr قال الأثرم قلت لأبي عبد الله: كان حديث نبهان لأزواج النبي خاصة وحديث فاطمة لسائر الناس؟  قال: نعم، وعلى تقدير عمومه فالأحاديث الأخرى أصح فتقديمها أولى . المغني 7/81 ، والكافي لابن قدامة 3/9

3-أنه من باب التغليظ على أزواجهr في الحجاب لحرمتهن. حاشية الزرقاني3/268.

4- أن هذا عند خوف الفتنة والاحتياط. روضة الطالبين 7/25

ثالثا: أن النساء أحد نوعي الآدميين فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياسا على الرجال، ويحقق ذلك أن المعنى المُحرِّم للنظر خوف الفتنة، وهو في المرأة أبلغ فإنها أشد شهوة، وأقل عقلا فتسارع الفتنة إليها أكثر . المغني7/81 0

        القول الثاني: أنه يجوز النظر منه إلى ما ليس بعورة، وتحترز عند خوف الفتنة، وهو المذهب عند الحنفية، ورواية للمالكية، ورواية للشافعية، اختارها الغزالي والرافعي منهم، ورواية للحنابلة، اختارها ابن قدامة. المبسوط10/148، وتبيين الحقائق6/18، وبدائع الصنائع5/122 ، التاج والإكليل1/501 ، الوسيط5/37،36، وروضة الطالبين7/25، والسراج الوهاج (361)0

([1] )  المغني 7/81،80 0

واستدلوا بالآتي:-

        أولا: عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أن زوجهاtطلَّقَها البتَّة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال: والله ما لك علينا من شيء فجاءت رسولَ اللهrفذكرت ذلك له، فقال: "ليس لك عليه نفقة"فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: "تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده ...الحديث . أخرجه مسلم (1480)0

        ثانيا: عن عائشة رضي الله عنها كان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سألت النبيrوإما قال: " تشتهين تنظرين"فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خَدِّي على خَدِّه وهو يقول: "دونكم يا بني أرفدة"حتَّى إذا مللت قال: "حسبك؟ قلت: نعم قال: "فاذهبي".

        وجه الاستدلال: أنهم عند لعبهم يتحركون بشدة، ومن المعلوم أنه سوف ينكشف منهم من أرجلهم وأذرعتهم ونحوه مما هو ليس بعورة اتفاقا، ومع ذلك أجاز النبي لعائشة رضي الله عنها النظر إليهم.

المناقشة: نوقش هذا بالآتي:

1- أنه ليس فيه أنها تنظر إلى وجوههم وأبدانهم إنما للعبهم وحرابتهم .

        2-أن ذلك يحمل على أن عائشـة رضي الله عنها لم تبلغ في ذلك الحين مبلغ النساء .

الجواب: أجيب بأن الحبشة كان عام قدومهم سنة سبع ولعائشة يومئـذ ست عشرة سنة.تحفة الأحوذي 8/51 0

        3-أن ذلك قبل نزول الحجاب.مغني المحتاج3/132، وعون المعبود11/115،114 0

        ثالثا: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبيrقام فبـدأ بالصلاة ثم خطب الناس فلما فرغ نـزل فأتى النساء فَذَكَّرَهن وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبَه يلقي فيه النساء الصدقة . أخرجه البخاري (961)، ومسلم (885)0

        المناقشة: نوقش بأنه لا يستلزم النظر منهن إليهما.نيل الأوطار 6/249 0

رابعا: أن النساء كن يحضرن الصلاة مع رسول اللهrفي المسجد ولا بد أن يقع نظرهن إلى الرجال، فلو لم يجز لم يؤمرن بحضور المسجد . تحفة الأحوذي 8/51 0

خامسا: أن النساء لو منعن النظر لوجب على الرجال الحجاب كما وجب على النساء لئلا ينظرن إليهم. المبدع 7/11، وكشاف القناع5/14 0

جاء في تحفة الأحوذي: ويؤيد الجواز استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات؛ لئلا يراهن الرجال، ولم يؤمر الرجال قط بالانتقاب لئلا يراهم النساء، فدل على مغايرة الحكم بين الطائفتين.تحفة الأحوذي 8/51 0 

القول الثالث: أنه كنظر الرجال إلى ذوات محارمهم، وهو رواية للحنفية، ورواية للمالكية، ورواية للشافعية . المبسوط10/148، والهداية4/85، وحاشية ابن عابدين6/271، والتاج والإكليل1/601، والقوانين الفقهية (294) ، الوسيط5/37، وروضة الطالبين 8/25 0

        واستدلوا بالآتي:-

القياس على الخنثى فإنه لا ينكشف بين الرجال والنساء؛ ووجه ذلك أن حكم النظر عند اختلاف الجنس أغلظ؛ لذلك لا يباح للمرأة أن تغسِّل الرجل بعد موته، ولو كانت هي في النظر كالرجل لجاز لها أن تغسله بعد موته. المبسوط 10/148، والهداية 4/85، حاشية ابن عابدين6/361 0

        التَّرجيح:

        بناء على ما تقدم فإن الذي يترجح لي قولٌ مغايرٌ للأقوال الثلاثة المذكورة،وهو الذي تجتمع به الأدلة، أنه يجوز للمرأة النظر إلى وجه الرجل، وما يلحق به ويظهر عادة في الرجال، وذلك للآتي:

        أولا: عموم قوله تعالى: ]وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ[(النور-31)فإن الآية تدل على أنه لا يجوز للمرأة التوسع في هذا الأمر مع الرجال؛ حيث كان ذلك مدعاة للفتنة، بل المرأة أشد افتتانا بالرجل منه بها، فلما كان النظر هو أحد الطرق الموصلة إلى ذلك حرم على النساء مثل ما حرم على الرجال، بل وأشد، فالنساء أضعف وأسرع تأثرا من الرجال ، فإذا جاز النظر إلى أكثر من وجهه وما يظهر في الغالب كان في ذلك فتنة أعظم .

        ثانيا: على تقدير سلامة حديث الحبشة، فإن الواجب حمله على حالٍ معينةٍ بحيث لا تتعارض مع الأدلة الأخرى الدَّالَّة على وجوب غض البصر، على أنه قد يقال: ليس في الحديث حجة لمن قال بجواز النظر إلى ما دون السُّرَّة إلى الرُّكْبة؛ لأنه ليس فيه ما يدلُّ على أن لباس الحبشة كان على هذا النحو، بل غايته أنها نظرت إليهم وهم يلعبون، ونحن نوافقهم في ذلك، وإنما النزاع في النظر إلى الصدر والبطن والساق ونحوه، وليس في الحديث ما يدلُّ على ظهور تلك المواضع، فلم يبقَ في الدليل ما يعارض الأصول، فسلمت بما تدل عليه.

ثالثا: ما تقرَّر في الشرع من قاعدة سدِّ الذرائع، فكلُّ ما كان مفضيا وذريعة  إلى الفساد والفتنة كان ممنوعا شرعا، ولا شكَّ أن القول بجواز نظر المرأة من الرجل إلى ما ليس بعورة من أعظم الطرق المفضية إلى الفساد، وكون الرجال يمشون في الطرق والأسواق ولم تخاطبهم الشريعة بوجوب التغطية، فقد خاطبت الشريعةُ النساءَ بوجوب غض البصر، وهذا كافٍ في إثبات الحكم، وإن لم تخاطب الطرف الآخر بالاحتجاب.

رابعا: أن نظر المرأة إلى الرجال يُعدُّ من قبيل الحاجة، ولا شك أن نظر المرأة إلى وجه الرجل أو ما يظهر منه غالبا كافٍ في دفع هذه الحاجة فيقتصر عليه، وما زاد يبقى على الأصل من وجوب غض البصر عنه.

        بناء على ما تقدم فإنه يجوز للمرأة مشاهدة الرجال في البرامج الهادفة، كالبرامج الدِّينية أو العلمية التي تقدم عبر شاشات التليفزيون ، إلا أن هذا مشروط بعدم الفتنة أو قصد التلذذ بالنظر إليهم، فإذا وجد ذلك كان مُحرَّما عليهن، ويلحق بذلك مشاهدة التي يقوم بتقديمها الرجال، والله أعلم .

كتبه: د.محمد بن موسى الدالي

في 6/2/1427هـ

 

        @      @      @

 


 

مواد جديدة

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف