د.الدالي : الحروب الأهلية .. تاريخها وحكمها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه من سار بهديه إلى يوم الدين، وبعد.
فإن الكلام عن الحروب الأهلية يطول، ويحتاج إلى مؤلفات ومصنفات، وهذا من حيث البُعد التاريخي والأسباب والنتائج والآثار، فهو حديث -كما يقال-: ذو شجون، ومن المؤسف أن توجد تلك الحروب، وتلك الكوارث في بلاد المسلمين، بالرغم من تشديد الشارع على رفع السلاح على المسلمين، أو الخروج على الحكام! . انظر في خطر هذا الأمر: مفهوم الجماعة والإمامة ووجوب لزومها (30)،(139)، ومقومات حب الوطن (65)، وما بعدها.
تعريف الحرب الأهلية:
تعرَّف الحرب الأهلية بأنها: "الحرب الداخلية في بلدٍ ما، التي يكون أطرافها جماعات مختلفة من المواطنين، وكل فرد فيها يرى عدوَه ومن يريد أن يبقى على الحياد خائنا، لا يمكن التعايش معه، ولا العمل معه في نفس التقسيم الترابي". موسوعة السياسية 2/ 181.
كما عُرِّفت الحرب الأهلية بأنها: "صراع مسلح ينشب داخل إقليم الدولة، ويتميز بأن كلًّا من الطرفين المتنازعين يفرض سلطانه على جزءٍ معينٍ من إقليم الدولة، ويمارس فيه السلطات التي تمارسها الحكومات الشرعية، كجباية الضرائب والتجنيد .. إلخ ". القاموس السياسي (444).
وهذان التعريفان كما هو واضح ينصبان على كون الحرب الأهلية خاصة بما يكون بين طوائف متصارعة من الشعب، غير أن الواقع السياسي يفرض نوعا مهمًّا آخر، ويعتبره من الحروب الأهلية بالدرجة الأولى، وهو الخروج على الحكام، والبغي عليهم، وسيأتي ذلك مفصلا.
وتتصف الحروب الأهلية بالضَّراوة والعُنف، كما تتَّصِف بسوء النتائج الاقتصادية والاجتماعية، سواء على المدى القريب أم البعيد؛ لأنها تشمل مناطق آهلة بالسكان، وتفرق بين الأهل والعشائر والأقارب والجيران، وعلى إثرها يحتاج المجتمع إلى عدة عقود من الزمن لإعادة البناء والوئام.
وكثيرا ما تشكل الحروب الأهلية فرصة لتدخل الدُّوَل الكبرى، أو المجاورة في مجريات الأمور الداخلية للدولة التي تقوم بها مثل تلك الحروب؛ ذلك أن وقوع مثل تلك الحروب يضعف كثيرا من سيادة الدولة، ويزيل التماسك الداخلي في وجه التدخلات الخارجية، كما قد يعود ذلك على الدُّوَل المجاورة سلبا وإيجابا، فترى بعض الدُّوَل في انتصار فريق على فريق تهديدا لأمنها، أو للتوازن في تلك المنطقة من العالم.
وبتعدُّد وتنوُّع أسباب قيام الحروب الأهلية يبقى الحلُّ الأكثرُ نجاعة لها على مدى العصور التفاوض السلمي.
وهذا تفصيل لبعض الحروب الأهلية في بلدان العالم حسب ما ورد في الموسوعة العالمية الحرة الويكيبيديا:
السودان: نشبت حروب أهلية في السودان خلال الأعوام (1955-1972) و(1983-2003) بين الشمال والجنوب، على خلفية مطالبة حركة تحرير جنوب السودان بالانفصال أو الحكم الذاتي، وحصدت هذه الحروب أكثر من مليوني قتيل، وأربعة ملايين نازح داخل الوطن، و420 ألف لاجئ في البلدان المجاورة للسودان.
لبنان: من البلدان العربية التي شهدت حروبا أهلية مدمرة لبنان، ذلك البلد الصغير الذي طحنته الحرب الأهلية خمسة عشر عاما (1975-1990)، وحصدت أكثر من 130 ألف قتيل، بعد سنوات من الانقسام السياسي بين قوى الحركة الوطنية اللبنانية وقوى اليمين اللبناني، في ظلِّ ظروف إقليمية ودولية أجَّجت وساعدت على إشعال فتيل الحرب، وقد انتهت الحرب في 13 أكتوبر1990.
العراق: نشبت حرب أهلية بالعراق في الفترة (2003-2007) رغم الاحتلال الأمريكي، والتي بدأت على شكل استهداف وتفجير الأضرحة والمساجد التابعة للسنة والشيعة على حد سواء، وحمَّل كل طرف الآخر مسئولية ذلك، وتطور الأمر إلى حرب أهلية طائفية بحتة، طرفاها الشيعة والسنة.
اليمن: حرب اليمن أو حرب شمال اليمن الأهلية، وهي حرب دارت في شمال اليمن بين الموالين للمملكة المتوكلية اليمنية، والفصائل الموالية للجمهوريّة العربية اليمنية من سنة 1962 إلى سنة 1970، وقد سيطرت الفصائل الجمهورية على الحكم في نهاية الحرب.
الولايات المتحدة الأمريكية: نشبت حرب أهلية خلال الفترة (1861 - 1865) بين الحكومة الفيدرالية التي عرفت بـ"الاتحاديين" مقابل إحدى عشر ولاية جنوبية متمسكة بالعبودية، وأسست هذه الولايات ما سمي بـ"الولايات الكونفدرالية الأمريكية" وأعلنت انفصالها عن باقي الولايات الشمالية، وعلى إثر ذلك نشبت الحرب التي استمرت حوالي أربع سنوات، وخلفت أكثر من 970.000 قتيل.http://ar.wikipedia.org/wiki، وانظر: القاموس السياسي (444-445)، والموسوعة العربية الميسرة (696).
ولضيق المقام فإنه لا يمكن الحديث عن أبرز الحروب الأهلية في العالم وأسبابها، وكيف انتهت، وما هي نتائجها؛ لذا فهذه قائمة مختصرة بأشهر الحروب الأهلية عبر التاريخ حسب ترتيبها الزمني:
· حروب الأخوة بين الفونسو ملك ليون وسانشو ملك قشتالة 1067-1072
· الحرب الأهلية في النرويج 1130-1240م.
· حرب الوردتين في إنجلترا 1455-
· حرب أونين في اليابان 1467-
· الحروب الدينية الفرنسية 1562-
· الحرب الأهلية الأمريكية 1861-
· الحرب الأهلية الروسية 1917
· الحرب الأهلية في فنلندا
· الحرب الأهلية الأيرلندية 1922-
· الحرب الأهلية الصينية 1928-1937, 1945-
· الحرب الأهلية الفيتنامية 1930-
· الحرب الأهلية الأسبانية 1936-
· الحرب الأهلية اليونانية 1946-
· الحرب الأهلية البارجوية
· الحرب الأهلية في كوستاريكا
· الحرب الأهلية الكورية 1950-
· الحرب الأهلية السودانية 1955-1972، 1983-1994م.
· حرب شمال اليمن الأهلية 1962-1970م.
· الحرب الأهلية الاندونسية 1965-1966م.
· الحرب الأهلية النيجرية 1967-1970م.
· الحرب الأهلية الباكستانية 1971م.
· الحرب الأهلية اللبنانية 1975 -
· الحرب الأهلية الموزمبيقية 1975-
· الحرب الأهلية اليوغسلافية 1991-
· الحرب الأهلية الأفغانية 1992-2001م.
· الحرب الأهلية العراقية 2003-2007م.موسوعة السياسية 2/ 181.
حكم الحروب الأهلية:
غالب أسباب الحروب الأهلية هو القيادة والحرص على تحويل الدولة، وتغيير نظامها، أو ما كان موروثا بين القبائل والعشائر، من قبليَّات وعصبيَّات؛ لذا فحقيقة هذه الحروب من حيث الواقع والحكم لا تعدو أمرين:
الأول: الخروج على الحكام، والتعدي على النظام، فتكون بين الدَّوْلة وبين رعاياها الخارجين عليها، وهم من يُعرَفون في الفقه الإسلامي بالبغاة أو الفئة الباغية.
انظر في الأسباب والوسائل التي توقع كثيرا من شباب المسلمين في هذا الأمر كتاب: مقومات حب الوطن في ضوء تعاليم الإسلام (19)، وما بعدها، وفي مفاسد الخروج على جماعة المسلمين وإمامهم: مفهوم الجماعة والإمامة ووجوب لزومها (175)، وما بعدها.
الثاني: القتال في الفتنة، بأن يرفع المسلمون بعضهم على بعضٍ السلاحَ، وهذا هو حال غالب الحروب الأهلية على مرِّ التاريخ.
أما الأول: فهو الخروج والبغي على الحاكم، ويراد بكلمة "الخروج" ما يرادفها اليوم من عبارات، مثل: الثَّوْرة المسلحة، أو الحرب الأهلية، أو القتال الداخلي، أو استعمال السلاح، أو استخدام العنف، والمراد بالجميع الوصول إلى تحقيق الأغراض السياسية التي حصلت الثورة من أجلها، ويطلق على هذه الأمور الجريمة السياسية. الموسوعة العصرية في الفقه الجنائي 1/ 275، والتشريع الجنائي (1/148-150)، والجريمة والعقاب في الفقه الإسلامي (113).
والجريمة السياسية،لا تكاد توجد الجريمة السياسية في الظروف العادية، فكل جريمة وقعت في الأحوال العادية تعتبر جريمة عادية، مهما كان الغرض منها، فمن يقدم على قتل رئيس دولة لغرض سياسي أو شخصي، عُدَّت جريمته عادية، ولو كان هو من السياسيين، ما دام أن القتل وقع في أحوال عادية، أو كان الغرض من الجريمة إحداث أي تغيير يتنافى مع نصوص الشريعة، كإدخال نظام غير إسلامي يخالف النظام، أو تمكين دولة أجنبية من التسلط على البلاد، أو إضعاف قوة الدَّوْلة أمام غيرها من الدول، فإذا كان الغرض من الجريمة شيئاً من هذا أو مثله، فإن الجريمة لا تكون بغياً ?أي: سياسية- وإنما هي إفساد في الأرض، ومحاربة لله ورسوله، وهي جريمة عادية قررت لها الشريعة عقوبة قاسية، وتلك هي سنة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في الخوارج، فلقد قتل عبدُ الرحمن بن ملجم عليَّ بن أبي طالب خليفةَ المسلمين لتحقيق غرض سياسي، فاعتبر عليٌ رضي الله عنه القتل عادياً بالرغم من أن القاتل من الخوارج، وهذا هو رأي عليّ رضي الله عنه نفسه، والرأي الذي أخذ به العلماء من بعده، فإنه قال لولده الحسن: " أحسنوا إساره، فإن عشـت فأنا وليّ دمي، وإن مت فضربة كضربتي "، ولو لم يكن القتل عادياً لما اعتبر نفسه ولي الدم، إن شاء عفا وإن شاء اقتص، ولما طلب من الحسن أن يقتص بضربة كضربته.
وإنما توجد الجريمة السياسية في الظروف غير العادية، وعلى وجه التحديد في حالة الثورة، أو في حالة الحرب الأهلية، فإذا ثار فريق من الرعية على الدولة، وقامت حرب بينهما أمكن أن توجد الجريمة السياسية بمعناها الاصطلاحي، بشرط أن تتوفر شروط معينة في الثوار، أو الخارجين على النظام، فإذا انعدمت تلك الشروط، أو توفرت، ولكن لم توجد حالة الثورة أو الحرب، فتلك الجرائم لا يمكن أن تكون جرائم سياسية، وإنما هي جرائم عادية. الموسوعة العصرية في الفقه الجنائي 1 / 273، والتشريع الجنائي الإسلامي 1 / 101، والجريمة والعقاب في الفقه الإسلامي (113).
ومع كون هذه التسمية عامة، إلا أنها تكاد تنحصر في كلام القانونيين في الحرب الأهلية، أو الثورات المسلحة الخارجة على نظام الدولة، فتعرَّف بأنها: "أعمال العنف التي يرتكبها الخارجون على السلطة القائمة، بناء على ادِّعاء أنها سلطةٌ غيرُ شرعية". الموسوعة العصرية في الفقه الجنائي 1/278، والجريمة والعقاب في الفقه الإسلامي (114).
ونظرا لأن هذ العنف الذي يرتكبونه يضار به أعداد كبيرة من الناس، ممن ليس له نفس تلك التوجهات السياسية، والذين لا دخل لهم أصلا في هذا الخلاف، فإن الفقه الإسلامي يطلق عليهم اسم البغاة، ويقرر لهم معاملة خاصة، يقصد بها إعادة الأمن لأفراد الشعب. وقد عرَّف الفقهاءُ البغاةَ بأنهم: "قوم يخرجون على الإمام يبغون خلعه أو منع الدخول في طاعته أو تبغي منع حق واجب بتأويل سائغ"، والبعض يقول: "بتأويل فاسد لا يقطع بفساده لاعتقادهم صحته"، أو "هم الذين يقاتلون على التأويل، مثل الطوائف الضالة كالخوارج وغيرهم، والذين يخرجون على الإمام، أو يمتنعون من الدخول في طاعته، أو يمنعون حقًّا وجب عليهم كالزكاة وشبهها". الفتاوى الهندية 2/283، والقوانين الفقهية 1/ 312، وأنوار البروق في أنواء الفروق 4 / 171 ط. عالم الكتب، وأسنى المطالب شرح روض الطالب 4/ 112، وشرح منتهى الإرادات 3/388.
وعليه فالحرب الأهلية أو الجريمة السياسية هي الجريمة التي يكون فيها اعتداء على نظام الحكم، أو على أشخاص الحكم بوصف كونهم حكامًا، ففي الجملة هي الجرائم التي يكون انبعاثها عن فكرة ونظر، ولو كان منحرفا، ولا يكون القصد فيها الاعتداء، فليس القصد منها الإجرام لمجرد الجريمة، أو الإيذاء لمجرد الإيذاء، أو لجلب نفعٍ شخصيٍّ للجاني، إنما الباعث عليها هو الأمر الجماعي.الموسوعة العصرية في الفقه الجنائي 1/278، والجريمة والعقاب في الفقه الإسلامي (114).
ثم هذه الطائفة لا بد من توفر جملة من الشروط حتى يثبت لهم وصف البغي، والذي يترتب عليه أحكام خاصة، سيما فيما يتعلق بمعاملتهم، وهي كالآتي:
أولا: الخروج عن طاعة الحاكم التي أوجبها الله على المسلمين لأولياء أمورهم.
ثانيا: أن يكون الخروج من جماعة قوية، لها شوكة وقوة ومنعة، بحيث يحتاج الحاكم في ردِّهم إلى الطاعة، إلى إعداد رجال ومال وقتال.
ثالثا: أن يكون لهم تأويل سائغ يدعوهم إلى الخروج على حكم الإمام، فإن لم يكن لهم تأويل سائغ كانوا محاربين، لا بغاة.
فإن لم يدَّعوا سبباً للخروج، أو ادَّعوا سبباً لا تقرُّه الشريعة إطلاقا، كأن طلبوا عزل رئيس الدَّوْلة دون أن ينسبوا إليه شيئاً، أو طلبوا عزله لأنه ليس من بلدهم، فليسوا بأي حال بغاةً أو مجرمين سياسيين، إنما قطاع طريق يسعون في الأرض بالفساد، ولهم عقوبتهم الخاصة.
رابعا: أن يكون لهم رئيسٌ مطاعٌ يكون مصدرا لقوتهم؛ لأنه لا قوة لجماعة لا قيادة لها.
فإن لم يكن لهم قوة، بأن كانوا أفرادا، أو لم يكن لهم من العتاد ما يدفعون به عن أنفسهم، فليسوا ببغاة؛ لأنه يسهل ضبطهم وإعادتهم إلى الطاعة.انظر هذه الشروط مفصَّلة في: البحر الرائق 5/151، ورد المحتار 4/262، وبدائع الصنائع 7/140، وأنوار الفروق 4/202، ومواهب الجليل 6/277، وشرح حدود ابن عرفة (490)، والأم 4/216، ومنهاج الطالبين 1/170، ونهاية المحتاج 7/385، والمغني 10/52، والفروع 6/152، وكشاف القناع 6/161، والمحلى 11/333، وانظر: فقه السنة 2/602 . ط.دار الكتب العربي.
أما إذا كان القتال لأجل الدنيا، أو للحصول على الرئاسة ومنازعة أولي الأمر بغير تأويل شرعي، فهذا الخروج يعتبر محاربة، ويكون للمحاربين حكم آخر يخالف حكم الباغين، وهو المذكور في قوله تعالى: ] إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة-33.
فهؤلاء المحاربون جزاؤهم القتل أو الصلب أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، أو الحبس والنفي من الأرض، حسب رأي الحاكم فيهم، وحسب جرائمهم التي ارتكبوها.البحر الرائق 5 /151، وما بعدها، وشرح الزرقاني 8/62، ونهاية المحتاج 7 /382، والمغني 10/49، والمحلى 11/333.
موقف السلطة وقيادة الدَّوْلة من هذه الطائفة:
يجب على الإمام أن يدعو البغاة الخارجين عليه إلى العودة إلى الجماعة، والدخول في طاعته؛ لعل الشر يندفع بهذه الدعوة؛ ثم يسألهم عن سبب خروجهم، فإن ادعوا مظلمة أزالها، وإن ذكروا شبهة كشفها، ولهم الحرية في أن يقولوا ما يشاءون في حدود نصوص الشريعة.
ودليل ذلك الآتي:
أولا: أن الله سبحانه وتعالى بدأ الأمر بالإصلاح قبل القتال، فقال: ] وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات-9.
قال شيخ الإسلام: "فلم يأمر بقتال الباغية ابتداء، فالاقتتال ابتداء ليس مأمورا به، ولكن إذا اقتتلوا أمر بالإصلاح بينهم، ثم إن بغت الواحدة قوتلت؛ ولهذا قال من قال من الفقهاء: إن البغاة لا يُبتَدؤون بقتالهم حتى يقاتِلوا". الفتاوى الكبرى 3/446.
ثانيا: أن هذا ما فعله علي رضي الله عنه لما خرج عليه أهل حروراء، فإنه رضي الله عنه ندب إليهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ليدعوهم إلى العدل، فإن أجابوا كفَّ عنهم، وإن أبوا قاتلهم، فقد أخرج النسائي في السنن الكبرى 5 / 165، والبيهقي في السنن الكبرى 8 / 179، والحاكم في المستدرك 2 / 164 عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم قَالَ: لَمَّا خَرَجَتْ الْحَرُورِيَّةُ اعْتَزَلُوا فِي دَارٍ وَكَانُوا سِتَّةَ آلافٍ. فَقُلْت لِعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَبْرِدْ بِالصَّلاةِ لَعَلِّي أُكَلِّمُ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ, قَالَ: إنِّي أَخَافُهُمْ عَلَيْك. قُلْت: كَلا. فَلَبِسْت ثِيَابِي وَمَضَيْت إلَيْهِمْ حَتَّى دَخَلْت عَلَيْهِمْ فِي دَارٍ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِيهَا. فَقَالُوا: مَرْحَبًا بِك يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَا جَاءَ بِك؟ قُلْت: أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ, مِنْ عِنْدِ ابْنِ عَمِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَصِهْرِهِ, وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ وَهُمْ أَعْرَفُ بِتَأْوِيلِهِ مِنْكُمْ وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ, جِئْت لأُبَلِّغَكُمْ مَا يَقُولُونَ وَأُبَلِّغَهُمْ مَا تَ