د.الدالي: متابعة المأموم للإمام إذا كان يسمعه عن طريق مكبرات الصوت.
الحمد لله رب العالمين ، وصلاة وسلاما تامين أكملين على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإنه في بعض الأحوال يتيسر للشخص أن يكون قريبا جدًّا من المسجد، بحيث يمكنه أن يستمع للإمام وقراءته، وربما رآه ورأى المصلين، وهذا يكثر في الفنادق المحيطة بالحرم المكي أو المدني، فما حكم الائتمام بإمام هذه المساجد في تلك الحال؟
هذه المسألة لا تخلو من صورتين:
الأولى: أن يكون الشخص جارا للمسجد، بيته ملاصقٌ له، وبين بيته وبين المسجد منفذ، وهذا أمر قد يكون في العصر الحديث في غاية الندرة، لكن جمهور العلماء على صحة متابعة الإمام في هذه الحال، كما أنه لا تشترط الرؤية وإنما يكفي سماع الصوت، واشترط الحنابلة أن تكون هناك رؤية، فلابد أن يرى المصلِّي الإمامَ أو المأمومين، أو بعضَهم، ولو في بعض الصلاة.
والأقرب أن هذا جائز، ولا تشترط الرؤية أيضا، والدليل على ذلك: حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما فإنها أتت عائشة رضي الله عنها حين خسفت الشمس، والناس يصلون قياماً، فإذا هي قائمة تصلي. أخرجه البخاري.
وما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه أن عائشة رضي الله عنها كانت تصلي في بيتها بصلاة الإمام، وقد كانت بيوت النبي صلى الله عليه وسلم لها فتحات على المسجد.
الثانية: أن تكون هذه البيوت غير ملاصقة للمسجد، أو ملاصقة للمسجد، وليس بينها وبينه منفذ، كما هو الحال في كثير من البيوت والفنادق الآن، فهل يصح لأصحاب هذه البيوت أو الفنادق أن يتابعوا فيها الإمام، وهم يسمعونه أو يرونه من الشرفات مثلا؟
في نحو هذه المسالة سئل شيخ الإسلام رحمه الله، فقد سئل عن الحوانيت المجاورة للجامع من أرباب الأسواق إذا اتصلت بهم الصفوف، فهل تجوز صلاة الجمعة في حوانيتهم؟
فقال رحمه الله:
"أما صلاة الجمعة وغيرها فعلى الناس أن يسدوا الأول فالأول، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ؟ قالوا : وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يسدون الأول فالأول ويتراصون في الصف "، فليس لأحد أن يسد الصفوف المؤخرة مع خلو المقدمة، ولا يصف في الطرقات والحوانيت مع خلو المسجد، ومن فعل ذلك استحق التأديب، ولمن جاء بعده تخطيه، ويدخل لتكميل الصفوف المقدمة، فإن هذا لا حرمة له .. بل إذا امتلأ المسجد بالصفوف صفوا خارج المسجد، فإذا اتصلت الصفوف حينئذ في الطرقات والأسواق صحت صلاتهم، وأما إذا صفوا وبينهم وبين الصف الآخر طريق يمشي الناس فيه لم تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء، وكذلك إذا كان بينهم وبين الصفوف حائط بحيث لا يرون الصفوف ولكن يسمعون التكبير من غير حاجة، فإنه لا تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء، وكذلك من صلى في حانوته والطريق خالٍ لم تصح صلاته، وليس له أن يقعد في الحانوت، وينتظر اتصال الصفوف به، بل عليه أن يذهب إلى المسجد فيسد الأول فالأول.
وقال رحمه الله: "إن اتصلت الصفوف فلا بأس بالصلاة لمن تأخر ولم يمكنه إلا ذلك، وأما إذا تعمد الرجل أن يقعد هناك، ويترك الدخول إلى المسجد كالذين يقعدون في الحوانيت، فهؤلاء مخطئون مخالفون للسنة". مجموع الفتاوى 23 / 409 - 411.
وهذا هو الصحيح في هذه المسألة: أن الصفوف إذا اتصلت فلأصحاب البيوت أو الذين في الفنادق أن يأتموا بهذا الإمام، إن أمكن ائتمامهم به، وهذا بعيد من حيث التصور، خاصة في الأدوار العليا، لكن من حيث النظر يصح، سيما الدور الأرضي على وجه الخصوص، فيمكن هذا الأمر، وهذا بشرط عدم تعمُّد ترك الجماعة، أما إذا لم تتصل، أو اتصلت وقد تعمدوا ترك الجماعة، فإنه لا يصح؛ وذلك أن الجماعة لها هيئة شرعية، والأصل في العبادات التوقيف، وهيئتها الشرعية هي ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، بالاجتماع في مكان واحد وزمان واحد، فإذا اتصلت الصفوف فإنها تأخذ حكم هذا المكان، فيصبح المكانان في حكم المكان الواحد، ففي هذه الحال لا بأس أن يصلُّوا في بيوتهم ويتابعوا الإمام، أما ماعدا ذلك فالصواب أن المتابعة لا تصح.
وأما المرأة فيباح لها هذا مطلقا؛ لأنها غير مطالبة بالحضور إلى المسجد أصلا، لكن بشرط اتصال الصفوف، حتى تأخذ هذه الصورة حكم الجماعة، والله ولي التوفيق.
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 4/5/1431هـ