ما هو نصيبُ البنتين في الميراث في ظل هذه الآية: { فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَة فَلَهَا النِّصْفُ } فإن الله تعالى لم يذكر نصيب البنتين؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن هذه المسألة فيها مبحثان هامان:
الأول هو نصيب البنتين، مع كون الآية لم تنص عليه.
الثاني: لمَ عبَّر اللهُ تعالى بهذا التعبير، ولم يصرح بنصيب البنتين مباشرة؟
أما الأول، فاعلم أنه قد انعقد الإجماع على أن نصيب البنات لا يخرج عن الآتي:
1- أن يكون لها أو لهن أخ أو أخوة ذكور، فهي ترث معه بالتعصيب بالنفس، للذكر مثل حظ الأنثيين، ونصيبها يختلف في تلك الحال من صورة لأخرى.
2- أن تنفرد البنت، فيكون لها النصف، بنص الكتاب العزيز.
3- أن يجتمع البنات، اثنتان فأكثر، فيكون لهن الثلثان، بالإجماع، وسيأتي دليل استحقاق البنتين للثلثين، كالثلاث وأزيد.
4- أن تكون واحدة، ومعها بنتُ ابنٍ أو أكثرُ، نازلةً عن درجتها، ولا معصِّبَ مع البنت القربى مساوٍ لها، فيكون لها النصف، ولبنات أو ابنةِ الابنِ النازلِ السدسُ؛ تكمِلةَ الثلثين.
وأما دليل كون البنتين يرثن الثلثين، وإن لم ينصَّ عليه القرآن، فهو الآتي:
1- أن هذا هو قضاء النبي صلى الله عليه وسلم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدا، وإن عمَّهما أخذ مالهما، فلم يدع لهما مالَا، ولا تنكحان إلا ولهما مال؟ فقال: يقضي الله في ذلك، فنزلت آية الميراث، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما، فقال: أعط ابنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك. أخرجه أحمد وأصحاب السنن بسند صحيح.
2- القياس على الأختين، فإن البنتين تأخذان الثلثين بالقرآ، كما في قوله تعالى: (فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ) فإن أخذت الأختان الثلثين -مع بعدهما عن الميت-، فلئن تأخذه البنتان -مع قربهما من الميت- من باب أولى؛ إذ إنهما ألصق بالميت،وأكثر استحقاقا من أختيه.
3- أن هذا ظاهر القرآن، فإن الله تعالى ذكر في التعصيب أن للذكر مثل حظ الأنثيين، فلو توفي شخص عن ذكر وأنثى، فإن البنت تأخذ الثلث، والثلثان للذكر تعصيبا، فإن أخذت البنت الثلث مع الأخ، وهو أقوى وأكثر مزاحمة لها، فلئن تأخذه مع أختها -وهي الأضعف- من باب أولى وأظهر. ثم اعلم أنه قد انعقد الإجماع على هذا النصيب للبنتين، كما انقعد على أن نصيب البنات مهما كثرن، لا يزيد على الثلثين.
وهذا متقرر في علم المواريث، فلا يزيد نصيب البنات على الثلثين، ولا نصيب الأخوات على الثلثين، ولا نصيب الزوجات على الربعِ فيما لو لم يكن للزوج ولد، أو الثمنِ، فيما لو كان له ولد، ولا نصيب الجدات على السدس، على تفصيل طويل فيهن.
أما المبحث الثاني: وهو لماذا عبر الله تعالى بهذا التعبير: (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ)؟
والجواب: أنه لما كان البعض قد يتوهم أن نصيب البنات يزيد بزيادتهن، ردَّ الله تعالى ذلك الوهم بقوله: (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ)؛ دفعا لهذا الوهم.
وإنما لم يذكر الله تعالى ذلك صريحا في الكتاب؛ حتى يعطي فرصة للعقل في العمل والبحث التفكر في الأمر.
تنبيه: بعض أهل العلم يرى أن صدر الآية دليل على نصيب البنتين، فقوله: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) دليل على ذلك، على الوجه الذي ذكرته سابقا، وهو أنه إن كانت البنت الواحدة تأخذ الثلث مع أخيها الواحد تعصيبا، فأخذها إياه مع أختها أولى، ويكون تقسيم الآية على النحو الآتي: بيان نصيب البنتين، ثم نصيب الجماعة من البنات، ثم نصيب الواحدة (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ، وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ)،ولذلك ساغ التعقيب بالفاء بعد قوله: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ..).
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 17/8/1440هـ