الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد جاء في الحديث الصحيح عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: "َ أُمِرْنَا أَنْ نَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ وَلَا نَكُفَّ ثَوْبًا وَلَا شَعَرًا".
وقد أكثر الشراح من بيان معنى كف الثوب والشعر الوارد في الحديث، وأن المراد بكف الثوب أو كفت الثوب ضمُّه وجمعُه، فإن الكف أو الكفت هو الجمع والضم، ومنه قوله تعالى: (ألم نجعل الأرض كفاتا) أي: تضم ما على ظهرها، وفي بطنها بالدفن، وقد كان للعرب ألبسة من أُزُرٍ وأرديةٍ واسعة جدا، وكانت شعورهم طويلة، تصل إلى أكتافهم وقد تزيد، على خلاف المعهود الآن، فإن سجد سجد كل شيء معه، وإن ضم ثيابه وجمعها في سجوده، وعقص أو ضمَّ شعره لأعلى فات عليه هذا الفضل، فجاء النهي عن ذلك.
ولا يظهر أن هذا له علاقة بتشمير أكمام القميص، فلا هي معنى ثياب العرب، ولا يحصل فرق بين من شمَّرها أو أسدلها، فهي بكل حال لا تمس الأرض، ولا يحصل بها سجود مع العبد. وقد تنازع أهل العلم في هذه المسألة على أقوال، فجمهور أهل العلم على كراهة تشمير أكمام القميص، باعتبار أنه داخل في النص. وذهب المالكية إلى تفصيل، وهو أنه إن شمر الثياب من أجل الصلاة كُره، وإن كان مشمِّرا أصلا، لعمل ونحوه، فلا حرج عليه لو بقيت وهو في الصلاة، وهو اختيار شيخنا ابن عثيمين رحمه الله.
والذي يظهر لي أن تشمير أكمام القمص ونحوه غير داخلة أصلا في هذا النص، ولا في معناه، فلا بأس مطلقا في الصلاة مع تشمير أكمام القميص. أما من تمسك بإن النصوص عامة، فيقال لهم: ومن قال: إن كفتَ أو كفَّ الثوب بمعنى التشمير الخاص المعروف لدينا الآن؟! فإنما ورد النهي عن كفٍّ مشهورٍ معروفٍ، لا صلة له بما نحن عليه الآن بحال. أما كفُّ الشعر، فهذا ورد فيه ذم خاص، ففي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ، فَقَامَ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: مَا لَكَ وَرَأْسِي؟! فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّمَا مَثَلُ هَذَا مَثَلُ الذي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ) رواه مسلم، وفي لفظ: (الذي يُصَلِّي ورأسه معْقُوص كالذي يُصلّي وهو مكْتُوف).
وفي سنن أبي داود:" أن أبا رافع رأى الحسن بن علي يصلي قد غرز ضفيرته في قفاه فحلها، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ذلك مقعد الشيطان) " وإسناده جيد.
وهذه الصورة بكل أسف أصبحنا نراها كثيرا في الشباب، فإنهم يجمعون شعورهم إلى وراء رؤوسهم أشبه بلف النساء للشعر، ثم يصلُّون وهم كذلك.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في:8/1/1441هـ