الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإنه من الشبه التي كثيرا ما يذكرها أصحاب بدعة المولد النبوي، هي قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن صوم الاثنين، فقال: "تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم"، وقَالَ "ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ"، ويقولون: هذا هو صلى الله عليه وسلم يحتفل بيوم مولده!! والله المستعان.
والجواب عن هذا أن يقال: بداية: لو كان النص يفيد هذا المعنى، لكن أسبق الناس إلى فهمه على هذا النحو هم أصحابه رضي الله عنهم، أعلم الناس به، وأشد الناس حرصا على اتباعه، وأعمق الناس فهما للشريعة، ولم يُروَ في حرفٍ واحدٍ، صحيح ولا ضعيف ولا مكذوب موضوع أنهم استفادوا تلك الفائدة الفريدة، ولا قالها أحد من أئمة الإسلام، والتي ظفر بها علماء ومشايخ هذا الزمان!!!
ثانيا: هذا النص غاية ما ذكر فيه فضيلة يوم الاثنين، وليس فضيلة يوم المولد، الذي هو الثاني عشر من ربيع الأول، بل لأنه يوم الاثنين، والذي اشتمل على أربع فضائل: إنه يوم تعرض فيه الأعمال على الله تعالى، ويوم بعث فيه، وولد فيه، وأنزل عليه فيه.
وهذا ما يسمى بالعلة المركبة، فلا تنحصر العلة فيه بجزء من الأربعة، ثم التعليل بكونه اليوم الذي أنزل عليه فيه القرآن أشرف من علة الولادة؛ إذ النور الحقيقي لهذه الأمة، هو يوم البعثة والنبوة ونزول القرآن، فهو الميلاد الحقيقي لأمة الإسلام، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أشرف من مجرد الولادة البشرية، فهو مولد النبوة ورسالة الإسلام ونزول الكتاب العزيز إلى الأمة جميعا إلى يوم القيامة.
ثالثا: ليس في نصوص الشرع أنه صام هذا اليوم لكونه الثاني عشر من ربيع الأول، ولو كانت الفضيلة ليوم المولد، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه للتحري الدقيق عن يوم مولده، ويجعله موضعا للاحتفال، ولقال: أصوم الثاني عشر من ربيع الأول؛ لأنه اليوم الذي ولدت فيه!!.
وماذا لو وافق يوم مولده يوم الثلاثاء أو الأربعاء أو الأحد أو غيره، سوى الاثنين، فلماذا لم يتحرَّ النبي صلى الله عليه وسلم يوم المولد، ويصومه، ولو في غير الاثنين؟!
هلا تأملت هذا جيدا، لتعلم مدى بُعْد دليلك.
رابعا: ثم لو كان الاحتفال بمولده يوم الاثنين، كما زعموا، فكان يكفيه صلى الله عليه وسلم أن يصومه مرة في السنة، تحقيقا لكونه يوم المولد، لكن كونه يصومه كل أسبوع، ويأمر به الأمة كلها، يدل على أن الفضل هو في يوم الاثنين، وليس يوم المولد! ولعلهم يفقهون.
خامسا: هذه الفضائل الأربعة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم سببا للحكم، لا تحصل إلا في يوم تجتمع فيه، وهو الاثنين، ولا يمكن أن تنطبق كلها في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، الذي هو يوم المولد -على زعمهم- حتى يكون هو سبب الفضل والحكم!
سادسا: في الأخير، هذا الحديث غاية ما فيه بيان فضل يوم الاثنين، وأنه قد اشتمل على عدة فضائل عظيمة وخير كبير للأمة، منها أنه أرسل وبعث فيه صلى الله عليه وسلم، ومنها: أنه نزل عليه القرآن فيه، وكفى بها نعمة وفضيلة، ومنها: أنه ولد فيه، وهي مزية عظيمة، ولا شك، ومنها أنه يوم تعرض فيه الأعمال على الله، وهذا متكرر أسبوعيا، ندبا للأمة إلى صومه.
ولا علاقة لذلك كله بأنه -كما يقول الجهال- كان يحتفل بيوم مولده، حاشاه صلى الله عليه وسلم من هذا الهراء.
والله المستعان
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في الثاني عشر من ربيع الأول، لعام واحد وأربعين وأربعمائة وألف من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم