الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن مما يجهله كثير من الناس، تقديمَ الدَّيْن، من قرض ونحوه، والوصايا على الإرث في تقسيم التركة، فيأتي تقسيم الميراث في المرتبة الأخيرة، كما قال تعالى بعد أن قسم الفروض في كتابه العزيز: (من بعد وصية يوصى بها أو دين) فجعل الوصية والدَّين مقدَّمَيْن على الإرث.
ويأتي الدَّيْن في المرتبة الأولى في الحقوق المتعلقة بالتركة، بعد مؤنة التكفين، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به قبل الوصية، وتقديمه على الوصية واضح، فإن الدَّين له مَنْ يطالب به، وإن لم يأخذه غَرِم، بخلاف الوصية، فهي محض تبرع، إن أخذها المُوصَى له غَنِم، وإن لم يأخذها لم يغرَم، فكان من العدل، وتمام الحكمة تقديمُ الدَّين على الوصية.
ويأتي في المرتبة الثانية: الوصايا التي كتبها الميت، وإنما قدمها الله تعالى في كتابه للاهتمام بها؛ إذ غالب الناس يتساهلون في أمر وصية الميت؛ لأنها غالبا من جنس الهبات والتبرعات، فيتهاونون في حقها؛ لذا قدمها الله تعالى، في كتابه، فقال: (من بعد وصية يوصى بها أو دين)، وليس المراد أنها مُقدَّمة في الاستحقاق على الدَّين، للفرق السابق بينهما.
وتتأكد الوصية وتجب إن كانت متعلقة بحق من الحقوق، كالودائع والأمانات عند الميت، أو عارية ونحوه، يُخشَى أن يظنها الورثة ضمن التركة، فيجب على الشخص أن يوصي بها.
ثم يأتي في المرتبة الأخيرة: تقسيم الميراث، على الورثة، فإن بقي شيء بعد الديون والوصايا أُعطي للورثة، وفق التقسيم الشرعي، وإن لم يبقَ فلا شيء لهم.
ولا يجوز تجاوز هذا الترتيب في الحقوق المتعلقة بالتركة، وليس كما يفعل كثير من الناس، فيبدأون أول شيء بالورثة!! والله المستعان
تنبيه: من الخطر بمكان التساهل في أمر الديون التي في ذمة الميت، فعلى أولياء الميت وذويه المبادرة بأدائها، والاهتمام بشأنها، ففي الحديث: (نفسُ المؤمنِ معلقةٌ بدَيْنِه حتى يُقضى عنه) صحيح، أي: محبوسة بدينه، حتى قضائه عنه، من ماله، أما من ليس له مال، وكان حريصا على أداء ديونه، فإن الله تعالى تعهد أن يقضي عنه يوم القيامة، وهذا من واسع فضل ورحمة الله تعالى.
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 19/6/1442هـ