اخوتي هناك شخص مسيحي يقول ان القرآن لم يات على ذكر اسم الشجرة التي اكل منها آدم عليه السلام بينما يقول ان الكتاب المقدس ذكر اسمها وهو شجرة معرفة الخير والشر ويدعي بان القرآن ليس من عند الله
فما مدى صحة كلامه وكيف يكون الرد عليه وجازاكم الله خير؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فلعل من أسفه الشبه التي يوردها غير المسلمين على الإسلام هو شبهة: "أن القرآن من وضع محمد صلى الله عليه وسلم"، فهي شبهة من أسقط وأسزج ما رأيت، ولا أدري: أعاقل من يورد هذه الشبهة، أم مجرد جاحد حاقد؟! وهو الأظهر.
فعشر معشار ما في القرآن لم تأت به الكتب المقدسة مجتمعة، ودلائل صدق القرآن مبهرة محيرة، ولو قارن هذا الأحمق بين الكتاب المقدس بنظمه المتواضع، وبين القرآن ونظمه العظيم المبهر لوجد عجبا في كتاب الله، وأخبره كيف وضع محمد صلى الله عليه وسلم الأمي آيات المواريث، بهذه الدقة المتناهية، التي لو اجتمعت لها البشرية لم تقو عليها، وقد قالها بلسانه الشريف صلى الله عليه وسلم مرة واحدة، ولم يراجع نفسه فيها ، بل في مجلس واحد، وكانت كما هي إلى هذا اليوم، بل وإلى يوم القيامة، وكيف نظم كتابا بهذه الدقة، وهو لا يقرأ ولا يكتب، ثم تحدى به البشرية كلها على مر التاريخ، ولم يستطع أحد استخراج حرف واحد كذبا؟!
وهل تعرف البشرية شخصا يستطيع أن يكتب عشر صفحات من رأسه، ويستعين فيها بأعظم وأحدث السبل، من أبحاث وكتب وبرامج، ثم يقدمها لعشرة رجال فقط، ويتحداهم أن يخرجوا منها خطأ واحدا؟! إنه لا يجرؤ أحد على فعل ذلك البتة، ولو فعل لانهالت عليه الكتابات المخطئة المظهرة لأخطائه، ولظهر له من الحرج والعيب ما لم يره، وهذا وقد أعده وراجعه وسوَّده عشرات المرات قبل أن يخطو هذا الخطوة.
لكن ها هو نبينا الصادق الأمين، وهو الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، يقدم هذا الكتاب العظيم، والذي كان ينزل عليه في مجلسه، ثم يتلوه على الناس في المجلس نفسه، دون أن يكتب ورقة واحدة، ولا يسود حرفا واحدا، ولا يقدم فيه ما قاله ولا يؤخره، ويؤخذ من فمه الشريف، ويختم عليه ، فلا يزاد ولا ينقص، ثم مع ذلك يقدمه للبشرية جمعاء، وعلى مر الزمان، متحديا لهم أن يخرجوا منه حرفا واحدا خطأ، أو معلومة مشككا فيها، وتقف الدنيا كلها بعلمائها وكفارها وحُسَّادها عاجزة عن إخراج خطأ حقيقي في القرآن، وكلما حاول بعضهم رجع بخفي حنين، وبان له صدق ما رآه خطأ.
هل يقدم على هذا التحدي شخص كتب القرآن من رأسه، مع كونه أميا أيضا؟!! عجبا لهؤلاء.
ثم اعلم أخي أن الله تعالى أقام في القرآن آلاف الحجج، حتى يقطع الطريق على المشككين فيه، ما لم يقمه في كتاب مقدس سابق، فقد أتى الله تعالى في القرآن بما يستحيل للبشرية أن تعرفه في زمان نزوله، ولا بعد نزوله بمئات السنين، فقد ذكر الله تعالى في كتابه العزيز من الإعجازات في شتى المجالات، ما يحير به العقل، ويقطع الطريق على هؤلاء السفهاء في تكذيب القرآن.
فمن أين لمحمد صلى الله عليه وسلم تلك الإعجازات العلمية، في خلق الجنين والبحار وأعماقها، والجبال وجذورها، والحيض ومضاره، وخلق الإنسان من طين، ثم مراحل خلق الإنسان في البطن، وتلقيح الزروع، والرضاع وثبوت النسب؟!
ومال للقرآن يتدخل في قضايا مالية عظيمة واقتصادية خطيرة كتحريم الربا، والذي بين حكمه في كلمتين، وفيهما حل لكل القضايا المالية المعاصرة، ناهيك عن السنة في ذلك؟!
ومن أين لمحمد صلى الله عليه وسلم هذه التشريعات البديعة التي لم تعرفها البشرية، في الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج، وأحكام الطلاق والخلع والحضانة والنفقة، والرضاع وأحكامه، وبيان المحرمات من النكاح، والمباحات، والمواريث وتفاصيلها المدهشة؟!!
وما هذه الآداب التي لم ترها البشرية على مر الزمان، من الأمر ببر الوالدين والإحسان إلى الجار، والأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى والصدق، والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي والكذب والغيبة والنميمة والحسد والحقد، والغش وقول الزور، وتشريع ما يحفظ الأنساب والأموال والعقل والدين، وتحريم ما يخالف ذلك؟ّ!
ومن أين لمحمد صلى الله عليه وسلم العلم بأخبار السابقين بهذه الدقة، من أنبياء وغيرهم، ومن ذا الذي نصر عيسى وأمه عليهما السلام كما نصرهما القرآن، بل حتى الإنجيل لم يأت بمثل هذا لعيسى ومريم؟!
وهل يقوى راعي غنم، أمي، لا يقرأ ولا يكتب أن يأتي بهذا كله من قبل نفسه؟!!
ثم هل يوجد في الكتاب المقدس عشر معشار هذه المعجزات، وهذه التشريعات، وتلك الأخبار؟! حتى يأتي سفيه ويقول اسم الشجرة التي أكل منها آدم موجود في الإنجيل، وليس في القرآن!!! وما الفائدة من معرفة اسمها؟! ومن أين له أن هذا الاسم الموجود في الإنجيل ليس محرفا كغيره من التحريفات التي ملئ بها الإنجيل؟!
وكان الأحرى بهؤلاء أن يثبتوا أولا صدق كتبهم، سواء الإنجيل أم التوراة ، فإطلالة واحدة على تلك الكتب، ومقارنة سريعة بينها وبين القرآن، يعلم العالم والجاهل منهم صدق القرآن وعظمته، وعلو مرتبته على تلك الكتب، فإن كان كتاب أحرى أن يكذب، ويدعى أنه ليس من عند الله، فليس القرآن ، بل غيره من الكتب، سيما وقد دخلها التحريف الظاهر، والمضحك أحيانا، مع ما فيها من أخبار موضوعة مكذوبة، غير سليمة، لا لغة، ولا موضوعا، ويستحيل أن تنسب لرب العالمين، ومع ذلك تركوا هذا كله، وجاءوا للقرآن الذي يكاد يقتلهم الحسد لتكذيبه، وادعوا أنه من وضع محمد صلى الله عليه وسلم، الأمي الصادق الأمين.
هؤلاء الذي يشككون في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم -وهناك آلاف الأدلة الدامغة على نبوته- لو طولبوا بدليل واحد على صدق نبوة عيسى أو موسى عليهما السلام، لم يستطيعوا أن يقيموا دليلا واحدا على ذلك، ولن يجدوا سوى القرآن للاستدلال به على نبوة عيسى وموسى، فيستدلون على نبوة عيسى وموسى بكتاب محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يكفرون بمحمد صلى الله عليه وسلم !!!! قاتلهم الله.
بينما أدلة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ماثلة شاخصة مبهرة أمام العالم كله.
والكلام في دلائل النبوة وعظمة القرآن يطول، وهي أمور لا تنتهي، جعلها الله تعالى كثيرة غير منتهية من أجل سد هذا الباب نهائيا، وحتى لا يشكك أحد، إلا حاسد أو حاقد.
أما من ينظر بعين العدل والإنصاف، فهو يعلم أنه لا أصدق ولا أعظم من القرآن، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم آتاه الله تعالى من البينات، ما لم يؤت أحدا من العالمين، تصديقا وتثبيتا له، وقطعا للحجة على المكذبين.
وقد رأيت منهم عجبا، فمنهم من يحفظ سورتي: مريم وآل عمران عن ظهر قلب، ويراها أعظم الخبر عن عيسى ابن مريم وأمه عليهما السلام، ويحتج بالقرآن على معجزات المسيح عليه السلام، وهو مع ذلك كافر بمحمد صلى الله عليه وسلم، وحينما طالبناهم بأدلة نبوة عيسى عليه السلام وقفوا مفلسين، لا يستطيعون النطق بحرف واحد، فأخبارهم عارية عن دليل الثبوت، فحتى لو قال قائلهم: كان عيسى يحيي الموتى ويبريء الأكمه والأبرص، فليس عنده ما يثبت صحة هذا الخبر، إلا أن يستدل بالقرآن، وبغير القرآن لا دليل على صدق هذه المقالة، فحالهم عجب، ولا ينبغي للمسلم معهم أن يقف موقف المدافع، بل المهاجم الشرس، فأنت أخي المسلم على أرض صلبة، راسية، كالجبال، وهم لا تكاد تثبت أقدامهم، فهم على شفا جرف هار، سينهار بهم في نار جهنم إن لم يؤمنوا، إن شاء الله تعالى.
والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبــه: د.محمــد بـن مـوسـى الـدالــي
فـي 20/7/1437هــ