الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإنه وقع لبسٌ في حدِّ الوجه عند كثير من الناس في الآونة الأخيرة، فقصروا تعريف الوجه على "ما تحصل به المواجهة"، واستنتجوا بناء على هذا أن حد الوجه ينتهي عند أول الذقن، وما انحدر بعد ذلك ليس من الوجه، فلا يجوز إظهاره في الصلاة، وبالتالي لا يجب غسله في الوضوء، وهذا أعظم وأكبر خطرا.
والوجه كما نص جميع الفقهاء هو: "ما بين منابت شعر الرأس - ولو كان الشخص أصلع- إلى منتهى اللحيين والذقن طولا، ومن الأذن إلى الأذن عرضا".
وقال القرطبي: "فحدُّه في الطول من مبتدأ سطح الجبهة إلى منتهى اللحيين، ومن الأذن إلى الأذن في العرض".
وقال الشيرازي: "وَالْوَجْهُ مَا بَيْنَ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ إلَى الذَّقَنِ وَمُنْتَهَى اللَّحْيَيْنِ طُولًا، وَمِنْ الْأُذُنِ إلَى الْأُذُنِ عَرْضًا".
وهذا في أكثر كتب اللغة والفقه، فمنتهى اللحيين هو نهاية الوجه طولا، وبالتالي فالذقن داخل لا محالة في حد الوجه، ثم يضيفون إليه قيد "ما تحصل به المواجهة"، وهي نتيجة حتمية للوجه من حيث الناظر من الأمام، ولا يمنع ذلك أن يكون منحدرًا لآخر اللحيين، والذقن داخلة فيه.
واللحيان هما الفكَّان اللذان عليهما الأسنان، فمنطقة أسفل الذقن التي وقع فيها النزاع داخلة لا محالة في الوجه.
فيجب حينئذ أن تُغسل مع الوجه في الوضوء، ولا يصح الوضوء بغير غسلها، وتبطل صلاة مَن صلى، ولم يغسلها.
و كذلك يجوز للمرأة إظهارها في الصلاة، ولا تجب تغطيتها، كما اشتهر الآن، فما دامت المرأة منفردة أو بين النساء، فلا حرج عليه البتة في إظهارها، ولا نعرف في كلام أهل العلم أن هذه المنطقة غير داخلة في مسمى الوجه، إلا من جهة الخطأ الحاصل في معنى المواجهة، ففهموا أن ما تحصل به المواجهة فقط، هو حد الوجه، وأخرجوا منه منتهى اللحيين وأسفل الذقن، الذي هو محل اتفاق بين أهل اللغة في تعريف الوجه.
فغاية الأمر فهمٌ خاطيء في حد الوجه، لا غير، وبنوا عليه تلك الفتوى!!.
ولقد قرأت لأحدهم عجبًا أنه بعد ما حرر معنى الوجه، وأن حدَّه منتهى اللحيين وأسفل الذقن، ومعلوم أن منتهى اللحيين أقصى الحلق، عند الالتقاء بالرقبة، وهو بعد الذقن بديهة، ثم قال مقررا: "بناء على ذلك، فالذقن غير داخل في الوجه!!
فاللهم نسألك علمًا نافعًا، وفهمًا صحيحًا سديدًا .. آمين
تنبيه: حتى على فتواهم تلك، وأن أسفل الذقن من العورة، فإن هذا الظاهر منه يسير غير فاحش، فإن انكشف من المرأة، فإنه لا تبطل به الصلاة، في قول أكثر أهل العلم.
وليس الإشكال فيمن أخذت بهذا القول في الصلاة، فهي على خير، حتى ولو لم يكن واجبًا عليها، لكن الإشكال الكبير هو في الوضوء، فلو اكتفت بهذا القدر من الوجه فقط، لم يصح وضوؤها، وبالتالي لا تصح صلاتها!!
والله المستعان
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 26/5/1444هـ