الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فلا يظهر أن غَسل القدمين آخرَ الغُسل أمرٌ تعبُّدِيُّ، إنما هو للحاجة، فإن كان في مُغتسلٍ به ترابٌ وطينٌ ونحوه، فإنه لو غسل قدميه أوَّلَ الغسل، لاحتاج إلى غسلها مرةً ثانيةً آخرَ الغُسل، لذلك يؤخرها، ويكتفى بالغسلة الأخيرة.
أما لو كان في مكان به بلاط أو سيراميك ونحوه، فإنه يغسل قدميه مع الوضوء في موضعهما، وهذا آكَدُ، ثم يغسلهما مع تعميم بدنه بالغُسل، ولا يحتاج غسلها آخر الغسل، مرة ثانية.
وهذا هو الظاهر من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعَرَهُ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ، أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ". رواه البخاري.
فقولها: (وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم أتم وضوءه.
أما المروي في حديث ميمونة رضي الله عنها في صفة غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه: (.. ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِهِ، فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ) أخرجاه، فهذا -كما تقدَّم- محمولٌ على مكان مطين ونحوه، فتقتضي الحاجة تأخير غسلهما إلى آخر الغسل، وليس الأمر تعبُّديًّا.
وهذا هو قول الجمهور.
وذهب المالكية إلى استحباب تأخير غسل القَدَمين مطلقًا، وهو مبنيٌّ على أن هذا التأخير تعبُّديٌّ، ولا يظهر.
والله تعالى أعلم
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 1/6/1444هـ