الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فقد شاع بين الناس أن استعمال السبحة من البدع، ومع تقرير أن مستعمل البدعة ترك الأولى، وهو التسبيح والعقد على الأنامل كما جاءت السنة بذلك واضحة صريحة، قولا وفعلا، إلا إن تصحيح الخطأ في النظر في الدليل واجب طلبة العلم.وقد تقرر أن الآلات لا حكم لها شرعا، فما السبحة إلا آلة لعدِّ التسبيح وضبطه، وليس المراد منها التعبد لله تعالى بها البتة، فهي من جنس ما لو أتى بحصى، وجعله بين يديه، وجعل يعُدُّ عليه التسبيح، وقد وقع هذا لإحدى أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم عليها، إنما علمها شيئا آخر تقوله، ولم ينكر عليها الطريقة التي استعملتها.
كما لا يقال لقارىء القرآن من الموبايل ونحوه: مبتدع! لأنه مجرد آلة يقرأ عليها، لا يتعلق بها حكم، فهو لم يتعبد الله تعالى بالقراءة منه، فكما لم يتعبد العبدُ لله تعالى التسبيحَ على السبحة، إنما يَعُدُّ بها تسبيحَه، فهي مجرد آلة أو وسيلة يضبط بها العدد، نعم هي وسيلة أدنى وأنقص مرتبةً من الأصابع، لكن لا تخرج عن كونها وسيلة، إلى كونها مقصودة تعبُّدا!!.
أما ما استدل به الشيخ الألباني رحمه الله تعالى على بدعية العد على الحصى والسبحة ونحوه، هو أثر الصلت، قال: مرَّ ابن مسعود رضي الله عنه بامرأة معها تسبيح تسبح به فقطعه وألقاه، ثم مر برجل يسبح بحصا فضربه برجله، ثم قال: "لقد سَبقتم، ركبتم بدعةً ظلمًا، ولقد غلبتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما.
فإنكاره رضي الله عنه ليس على الآلة المستعملة، إنما على ما كانوا يقولونه من أذكار وأوراد، ليست من السنة، فالإنكار على ما يقولون، وليس على الآلة، إنما كسرها بين أيديهم؛ مبالغةً في الزجر، وإلا فإنه لا يخفى على ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ المرأة التي كانت تسبح على الحصى.
فالصحيح أنه لا بأس لمن استعمل السبحة في التسبيح، ولا يُنكر عليه، غير أنه تَرَكَ الأوْلى، وخالَفَ السُّنة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (واعقدن بالأنامل، فإنهن مسؤولات مستنطقات).
كما يسن أن يكون التسبيح على اليمين فقط، فهو المحفوظ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 3/7/1444هـ