المواد / المقالات / مسائل متعلقة برؤية الهلال

مسائل متعلقة برؤية الهلال

تاريخ النشر : 4 ذو القعدة 1444 هـ - الموافق 24 مايو 2023 م | المشاهدات : 262
مشاركة هذه المادة ×
"مسائل متعلقة برؤية الهلال"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط
  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
 فإن الله تعالى أوجب على الناس إثبات الأشهر الهجرية برؤية الهلال، خاصة ما يتعلق منها بأحكام شرعية، مثل رمضان، وشوال، وذي الحجة، وشهر الله المحرم، فقال تعالى:  (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة: 185]، وقال صلى الله عليه وسلم: (صُومُوا لِرُؤيَتِه، وأفطِرُوا لِرُؤيَتِه..) أخرجاه، وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: (لا تصومُوا حتى تَرَوُا الهلالَ، ولا تُفطِرُوا حتى تَرَوْه، فإن غُمَّ عليكم فاقْدُرُوا له).
وفي ذلك مسائل: الأولى: لا يثبت الشهر الهجري إلا برؤية عدلين مسلمين، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( .. إنْ شَهِدَ شاهِدانِ مُسلِمانِ فصُومُوا وأفْطِرُوا).
ويستثنى من ذلك رمضان على الأرجح، فيثبت برؤية مسلم عدل واحد، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: ( تراءَى الناسُ الهلالَ فأخبرتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أني رأيتُه، فصام وأمر بالصيامِ) صحيح، وهو شخص واحد، وفي حديث ابن عباس قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني رأيت الهلال، قال: (أتشهد أن لا إله إلا الله؟ أتشهد أن محمدا رسول الله)، قال: نعم، قال: «يا بلال، أذن في الناس أن يصوموا غدًا) صحيح.
الثانية: من رأى الهلال وحده، ولم يقبل قوله، فإنه يصوم وحده في قول الأكثرين، لعموم الأدلة الآمرة بالصوم لرؤيته، وقد دل الدليل -كما سبق- على ثبوت رمضان خاصة برؤية مسلم عدل، فيصوم وجوبا.
واختار شيخ الإسلام ألا يصوم بمفرده؛ لأن المراد بالهلال ما اشتهر وهلَّ بين الناس، لا ما رآه شخص بمفرده، ولم يعلم به أحد غيره! فهذا لا يصوم حتى يصوم الناس، والأقرب رأي الجمهور.
أما لو رأى هلال شوال بمفرده، فإنه لا يفطر، حتى يراه غيره، في قول الجمهور؛ لأن شوال لا يثبت برؤية واحد، إنما برؤية مسلِمَيْن عدلَين، شأنه شأن غيره من شهور العام.
الثالثة: لو رآه بمفرده، وأتمَّ الشهر، وتأخرت الرؤية يومًا عند الناس، وتأخر الفطر أيضا عندهم، كأن صام هو ثلاثين يوما، وهم أتموا الشهر أيضا، فسيكون بالنسبة له واحدا وثلاثين يوما، فالأقرب أنه يفطر سرًّا.
الرابعة: لو رأى هلالَ رمضان امرأةٌ واحدة: اختلف أهل العلم في ذلك، والأقرب ثبوت الشهر برؤيتها، إن كانت ثقة عدلا؛ ووجه ذلك أن هذا خبر ديني، كرواية الحديث والخبر، وكخبر جهة القبلة، أو دخول وقت الصلاة، تبعد فيه التهمة، بخلاف الدماء والأموال والأعراض، فإنه يحتاط لها أكثر، فلا تكفي شهادتها بمفردها في ذلك.
الخامسة: رؤية الهلال بالنهار، فإنه لا تثبت به أحكام، فالرؤية النهارية لا عبرة لها في قول أكثر أهل العلم، فعن  شقيقٍ قال: جاءنا كتابُ عُمَرَ رضي الله عنه، ونحن بخانقينَ، قال في كتابِه: (إنَّ الأهِلَّةَ بعضُها أكبَرُ مِن بَعضٍ، فإذا رأيتُمُ الهلالَ نهارًا، فلا تُفطِرُوا حتى يشهَدَ شاهِدانِ أنَّهما رأَيَاه بالأمسِ).
وعن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: (أنَّ ناسًا رأَوْا هلالَ الفِطرِ نَهارًا، فأتَمَّ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما صيامَه إلى اللَّيلِ، وقال: لا، حتى يُرَى مِن حيثُ يُرَى باللَّيلِ).
وهو مروي عن علي وابن مسعود وأنس رضي الله عنهم.
أما لو جاء الخبر نهارًا، بالرؤية ليلا، فإنه يعمل بخبر الثقة في ذلك، كأن قال شخص عدل ثقة: "رأيت الهلال بالأمس"، فإنه يؤمر بالصوم في الحال، ولو شهد اثنان عدلان برؤية هلال شوال بالليل، والناس صيام، فإنهم يؤمرون بالفطر، فإن كان قبل الزوال صلوا العيد وفي وقتهم، وإن كان بعد الزوال، صلوا العيد من الغد، ففي السنن عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اختلف النَّاسُ في آخِرِ يومٍ من رمضانَ، فقَدِمَ أعرابيَّانِ فشَهِدَا عند النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم باللهِ، لَأَهَلَّ الهِلالُ أمسِ عشيَّةَ، فأمر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّاسَ أن يُفطِرُوا، وأن يَغْدُوا إلى مُصلَّاهم. صحيح.
السادسة: لا بأس أن تثبت الرؤية في بلد دون آخر، على الراجح، ودليله: حديث كريب: أنَّ أمَّ الفَضلِ بنتَ الحارِثِ بعَثَتْه إلى مُعاويةَ بالشَّامِ، قال: فقَدِمْتُ الشَّامَ فقَضَيتُ حاجَتَها، واستهَلَّ عليَّ رمضانُ وأنا بالشَّامِ، فرأيتُ الهِلالَ ليلةَ الجُمُعةِ، ثم قَدِمْتُ المدينةَ في آخِرِ الشَّهرِ، فسألني عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، ثم ذَكَرَ الهِلالَ، فقال: متى رأيتُمُ الهلالَ؟ فقلت: رأيناه ليلةَ الجُمُعةِ. فقال: أنتَ رأيتَه؟ فقلت: نعم، ورآه النَّاسُ وصاموا وصامَ مُعاويةُ. فقال: لَكِنَّا رأيناه ليلةَ السَّبتِ، فلا نزال نصومُ حتى نُكمِلَ ثلاثينَ أو نراه. فقلت: أَوَ لا تكتفي برؤيةِ مُعاويةَ وصيامِه؟ فقال: لا، هكذا أمَرَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) صحيح مسلم.
فهذا الحديث دليل صريح واضح على جواز اختلاف الرؤية في بلد دون آخر، فثبت الشهر في الشام، ولم يثبت في المدينة، وبه عمل الصحابة رضي الله عنهم.
السابعة: إن حال دون رؤية الهلال ليلة الثلاثين من شعبان، غيمٌ أو سحاب أو قَتَر، من تراب ونحوه، فإن الواجب إكمال الشهر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن غُبِّي أو غُمَّ عليكم، فأتموا العدة ثلاثين يومًا) ويسمى في تلك الحال يوم الشك، وقد ورد النهي عن صومه، ففي الحديث: (لا تُقدِّموا رمضانَ بصومِ يومٍ ولا يومينِ إلا أن يُوافقَ ذلك صومًا كان يصومُهُ أحدكم) صحيح، ولقول عمار رضي الله عنه: (من صام اليوم الذي يشك فيه، فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم) صحيح؛ ولأن صومه احتياطا من التنطع المنهي عنه، ولأنه يُدْخِل في رمضان ما ليس منه، بهذا الصوم.
وعليه، فليلة الثلاثين من شعبان أحوالها كالآتي: 
- أن تكون صحوا، ولا يرى الهلال، فيجب الفطر، وإتمام عدة شعبان، ثلاثين يوما.
- أن تكون صحوا، ويرى الهلال، فيجب الصوم.
- أن تكون مغيمة ونحوه، فلا يجوز الصوم، وهو يوم الشك، فيوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان، إن سَبَقَت ليلتَه سحابٌ وغيومٌ ونحوه، ولم يُرَ الهلال.
الثامنة: لا يجوز إثبات الشهر بالقمر الصناعي، لكونه فوق مستوى الأرض، وإنما خاطب الله تعالى عباده، حسب حالهم، وهم على الأرض، فالعبرة برؤية على سطح الأرض.
ولا يثبت أيضا بالحساب الفلكي في قول عامة أهل العلم، لعموم الأدلة الآمرة بالرؤية.
ويثبت بالمراصد الفلكية التي على سطح الأرض؛ لأنها من جنس الرؤية البصرية المأمور بها شرعا.
من السنة الدعاء عند رؤية الهلال، وقد ورد في ذلك الآتي: 
عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إِذا رأى الهِلالَ قال: (اللَّهُمَّ أهلّهُ عَلَيْنَا بِاليُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ) رواه الترمذي وحسنه.
وعند أبي داود بإسناد مرسل عن قتادةرحمه الله: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: “هلالُ خيرٍ ورشدٍ، هلالُ خيرٍ ورشدٍ، هلالُ خيرٍ ورشدٍ، آمنت بالله الذي خلقك” ثلاث مرات، ثم يقول: “الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا، وجاء بشهر كذا”، ويسمي الشهر الذي ذهب، والشهر الذي جاء.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 18/8/1444هـ 
 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف