ميراث الحمل
حتى يكون الحمل وارثا، فلابد من تحقق شرطين:
الأول: تحقق وجود الحمل عند موت المورِّث، بأن يولد لستة أشهر، إلى دون أكثر مدة الحمل.
وهي عند المتقدمين: سنتان أو أربع سنوات، وقيل غير ذلك.
وحسب الطب الحديث: أحد عشر شهرا.
وهذا -أي: الطب الحديث- حُكمٌ حسيٌّ، فيقدَّم على قضاء المتقدمين، حيث كان مبنيًّا على غلبة الظن، لحصول بعض الولادة بعد أربع سنوات ونحوه، وهذا غايته أن يقال: أخبار لم تصح، أو صحت، على وجه الندرة الشديدة.
فإن وضعت بعد انتهاء مدة الحمل (أحد عشر شهرا، أو على الأكثر اثنى عشر شهرا)، فإنه لا ينسب للميت، بل الواجب التحري حينئذ، ويتدخل القضاء.
*** ولأهل العلم تفصيل فيما لو وضعت حملها، بعد ستة أشهر من موت الزوج، ودون أكثر مدة الحمل، بما لا يتسع المقام لذكر ذلك التفصيل هنا، مع وجود بعض إشكالاتٍ في كلامهم.
الثاني: أن يولد حيًّا حياة مستقرة، باستهلاله بصراخ أو عطاس أو بكاء أو حركة طويلة، أو مصِّه الثدي، أو تثاؤب ونحوه.
فمتى تحققنا ذلك، فإن المولود يرث، ولو عاش لحظة واحدة بعد الولادة، ثم مات.
أما إن ولد ميتا، فلا إرث له، ولا أثر للحركة التابعة للموت، كبقاء بعض النبض، أو الاختلاج، أو النَّفَس اليسير، أو الحركة اليسيرة، ونحوه، فمثل هذا لا يدل على حياته، ولا إرث له.
ويحسن الاستدلال بالطب في تلك الحال، للتأكد من حياته أو موته عند الولادة مباشرة.
وكذا لو ولد نصفُهُ، أو أكثره، وهو حيٌّ، ثم مات قبل الولادة الكاملة، فلا يحكم بحياته، ولا بإرثه.
للحمل من حيث المطالبة بإرثه حالان:
الأول: ألا يطالب أحد الورثة بشيءٍ من إرثه، فلا إشكال، وينتظر حتى وضع الحمل، ثم يوزع الإرث.
الثانية: أن يطالب أحد الورثة أو كلهم بالإرث، فقد اختلف أهل العلم في ذلك، فقيل: لا يجابون لطلبهم، وقيل: يجابون، وهو الأرجح؛ دفعا لضرر التأخير عنهم.
وقبل الشروع في بيان طريقة مسائل الحمل، فإن هذه الطريقة هي للمتقدمين، أما الآن فيمكن معرفة حال الحمل مباشرة، عن طريق الأشعة ونحوه، فيتضح حاله مباشرة، إن كان ذَكَرًا أم أنثى أم أكثر، فنعتبر حاله، ثم تصنع له مسألة الحياة والموت فقط، فيقدر الحمل بحالين فقط، إما ميت، وإما حيٌّ، حسب ما ظهر بالأشعة.
أما طريقة العمل عند المتقدمين، فهي كالآتي:
يقدر للحمل ستة أحوال، وهي غالب أحواله، وهي:
-أن يولد ميتا.
- أن يكون ذَكَرًا.
- أن يكون أنثى.
- أن يكون ذَكَرين.
- أن يكون أنثييْن.
- أن يكون ذكرًا وأنثى.
فنصنع جدولا، يشتمل على هذه الاحتمالات الستة.
ثم يجعل لكل صورة من هذه الست مسألةٌ.
فيقدر الحمل أولا ميتا، وتقسم مسألته، ثم تترك له خانة خالية، ثم يقدر الحمل ذَكَرًا وتقسم، ثم تترك له خانة خالية، ثم أنثى وتقسم، ثم تترك له خانة خالية، ... وهكذا في الأحوال الباقية.
ثم ينظر بين أصول المسائل الستة، بالنسب الأربع، وما حصل فهو الجامعة، توضع في خانة مستقلة.
ثم تقسم (الجامعة) على أصل كل مسألة من الست، والناتج هو جزء السهم لكل مسألة.
فيضرب في نصيب كل واحد، ويوضع الناتج في الخانة الخالية.
ثم ينظر بين نصيب كل وارث في المسائل الستة:
- فإن كان نصيبه لا يختلف، أخذه كاملا.
- وإن كان يتفاوت أخذ الأقل؛ لأنه المتيَقَّن.
- وإن كان يُحجَبُ في بعض الصور، فإنه لا يأخذ شيئا، حتى الحملُ نفسُه في تقديره ميتا، لا يأخذ شيئا.
- ثم يوقف الباقي، حتى الولادة، فإن بان الحمل على ما هو عليه، كما لو ولد الحمل ميتًا، فيعتبر التقسيم الأول.
- ولو كان يختلف، نظر للوارث المحجوب فيأخذ نصيبه، أو من أخذ الأقل، أكمل له نصيبه.
وقد يُكتفى عن هذا، بتقدير الحمل تقديرات ثلاثة: ميِّتًا، وذكرين، وأنثيين فقط، ويحصل بذلك المقصود أيضا.
تنبيه:
على الطالب التركيز في صُوَر الحمل البعيد، والذي يؤثر في المسألة، كحمل زوجة العم، أو زوجة ابن العم، أو زوجة الأخ الشقيق، أو زوجة الأخ لأبٍ، أو زوجة الابن، أو ابن الابن، فكل هؤلاء يكونون عصباتٍ، فيأخذون الباقي ونحوه.
إن كان الحمل لا يرث أصلا، فليس هذا من مسائل الباب، كأن هلك عن بنتٍ حامل، أو عمة حامل، ونحوه، فلا أثر لهذا الحمل، فهو غير وارث أصلا.
والله الموفق.
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 16/3/1445هـ