خزانة الفتاوى / عقيدة / حكم التبرك بعصا، يمسكها جماعة من الناس، ويزعمون أنها عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم

حكم التبرك بعصا، يمسكها جماعة من الناس، ويزعمون أنها عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم

تاريخ النشر : 7 ربيع آخر 1446 هـ - الموافق 11 اكتوبر 2024 م | المشاهدات : 28
مشاركة هذه المادة ×
"حكم التبرك بعصا، يمسكها جماعة من الناس، ويزعمون أنها عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط
 ما حكم التبرك بعصا، يمسكها جماعة من الناس، ويزعمون أنها عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقبلونها، ويصلون على النبي عليه الصلاة والسلام؟
  الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على أفضل الخلق، وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
 فإنه لمن المؤسف جدا ما تناقله الناس تلك الأيام من تصوير جماعة ينتسبون إلى العلم، وهم يمسكون عصا، ويقبلونها، وهم يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم!! ولا أعلم حقيقةً، أهم يزعمون أنها عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم -ولا طريق لهم لإثبات ذلك، حتى يلج الجمل في سم الخياط-، أم ما شأن تلك العصا؟!
وأقول: لا يجوز في الإسلام كله، تقبيل أو توقير أو مس جماد من الجمادات، غير الحجر الأسود والركن اليماني في الكعبة، تعبُّدًا واتباعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، ولذلك فإن مسح وجه الصبي بعد المسح على الحجر الأسود أو الركن اليماني، من الأخطاء.
وما سوى ذلك من الجمادات، من شجر أو حجر أو عصا أو تربة أو حصا مزدلفة ومنى، أو سواري الحرم، أو جدران بيت المقدس، أو أرض كذا وكذا، أو ثياب أحد، أو بقايا شرب أحد ونحوه، فكل هذا من التبرك المحرم المذموم، والوارد عن الصحابة رضي الله عنهمم ذمُّه، وعدم سلوكه البتة، وإنكروه كذلك في غير موضع.
بل إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمَّا خرَجَ إلى حنين، مَرَّ بشجرةٍ للمشركينَ يُقالُ لها: ذاتُ أَنْواطٍ، يُعلِّقونَ عليها أسلحتَهم، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، اجعَلْ لنا ذاتَ أَنْواطٍ كما لهم ذاتُ أَنْواطٍ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: (سُبحانَ اللهِ! هذا كما قال قَومُ موسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138]، والذي نَفْسي بيدِه، لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَن كان قَبلَكم)، فلم يترُكِ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم البيانَ لهم وَيسكُتْ على قولِهم، بل بيَّن لهم، وأنكر عليهم ذلك، وشدَّد وغلَّظ في الأمر؛ سَدًّا للذَّريعة، ولم يُحفظ البتة أن الصحابة رضي الله عنهم تبرَّكوا بأثر أحدٍ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كثير مشتهر في كتب السنة والتاريخ الصحيحة، ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم بقي شيءٌ من عرقه وشعره، وكان الصحابة رضي الله عنهم، يتبركون بها، ويستشفون بها، حتى كان عند الإمام أحمد شعرة من شعره صلى الله عليه وسلم، وكان يضعها تحت عينيه، وعلى بطنه، وعلى لسانه، وكل هذا ثابت مع النبي صلى الله عليه وسلم فقط، وبالطريق السُّنِّي المشروع، دون غيره من الكبار وأهل الفضل من أصحابه رضي الله عنهم، ولم يحفظ أبدا أن أحدا أبقى ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نعاله ولا عصاه، ولا شيء من ذلك،  فقد دَرَسَت آثاره عليه الصلاة والسلام، ولم يبقَ منها شيء، فلا نكون أضحوكة وألعوبة بين يدي كذابٍ، يزعم أن هذه نعل النبي صلى الله عليه وسلم، أو عصاه أو عمامته ونحوه!!! 
فمثل هذا الصنيع الذي قام به البعض: إن زعموا أن تلك عصاه، صلى الله عليه وسلم، فليثبتوا هذا بطريق تاريخي صحيح ثابت، ثم هم أيضا يطالبون بإثبات تلك الكيفية: الصلاة والسلام على أثره، وتقبيله، بهذا الأسلوب الوارد في الفيديو، عليهم إثبات أنه طريق مشروع! 
أما إن قالوا: ليست بعصاه، عليه الصلاة والسلام، فمن أين لهم هذا الفعل؟! فهو من البدع والمحدثات، ومن نشر الفساد، وهو مسيىء إلى الإسلام وأهله، وهو أشبه بطريق النصارى واليهود، وأشبه بطريق الروافض ونحوهم من المبتدعة في عباداتهم، نسأل الله تعالى السلامة والعافية.
** ثم من أراد التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الزمان، فبلزوم سنته، ظاهرا وباطنا، قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله، فاتبعوني يحببكم الله) فإن هذه الآية نزلت في قوم يزعمون أنهم يحبون الله تعالى، فجعل الله تعالى معيارَ ذلك اتباعَ النبي صلى الله عليه وسلم، وليس بالابتداع والإحداث في الدِّين.
ومن المهم: التنبيه على أن التبرك الوارد الجائز بالأشخاص وآثاره، هو في جانب النبي صلى الله عليه وسلم فقط، دون غيره، فلم يثبت أن أحدا تبرك بكبار وأفاضل أصحاب رسول الله عليه وسلم، كأبي وعمر وعثمان وعلي، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، فلم ينقل التبرك بآثار أحد منهم نهائيا، ولو كان مشروعًا، لفعلوه -على الأقل- مع أبي بكر رضي الله عنه، وقد أجمعت الأمة على أن أعظم رجالها بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر، ومع ذلك لم يثبت ذلك البتة، لا معه، ولا مع غيره، رضي الله عنهم أجمعين.
واعلم أنه ليس التبركُ غيرُ المشروع إلا طريقًا إلى الشرك، فلا يغتر مسلم بصنيع هؤلاء القوم، قال الله عز وجل: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح:٢٣]، فهذه أسماء لرجال صالحين كانوا في قوم نوح، ماتوا، فصوروا على قبورهم تماثيلهم؛ ليُذكِّرُوهم بالله تعالى، ويتبركوا بهم!، ثم بعد أن نُسي العلم، وذهب هذا الجيل من الناس، جاء آخرون، وجهلوا ما كان، فعبدوهم من دون الله سبحانه وتعالى.
واللاتُ كان رجلاً صالحاً يلت السويق للحجاج ويطعمهم ويسقيهم، فلما مات عكفوا على قبره فتبركوا به، ثم عبدوه من دون الله تعالى، وكذا الحال مع من يزعمونهم أولياء من جُهَّال هذا الزمان، وإلى الله تعالى المشتكى.
اللهم ردَّنا إليك، وإلى سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، ردًّا جميلا، واهدِ اللهم من ضل من تلك الأمة إلى طريقك المستقيم.
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 27/12/1445هـ
 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف