خزانة الفتاوى / عقيدة / محاورة عقلية بسيطة مع عبارة: "إن الله تعالى خلق المكان"

محاورة عقلية بسيطة مع عبارة: "إن الله تعالى خلق المكان"

تاريخ النشر : 9 ربيع آخر 1446 هـ - الموافق 13 اكتوبر 2024 م | المشاهدات : 31
مشاركة هذه المادة ×
"محاورة عقلية بسيطة مع عبارة: "إن الله تعالى خلق المكان""

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط
  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
 قال أهل الضلال: إن الله تعالى خلق المكان، فكيف يكون الله تعالى في شيء خَلَقَه ؟! وبالتالي فالله تعالى لا مكان له، حتى لا يكون في مخلوقٍ من مخلوقاته!
خداع وتزييف وجهل عظيم، بأبسط بديهيات العقل.
هكذا يروِّج أهل الضلال لتلك البدعة، والتي أبطلوا بها نصوص الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح على علوِّ الله تعالى بذاته، فوقَ عرشِهِ، وأنه بائنٌ عن خَلقِه، دون سماءٍ تظلُّه، ولا شيءَ يحمله، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا.
والسؤال: هل تصح هذه العبارة أصلًا؟
وللرد على هذا العَتَه أقول: 
بداية، مقدمتهم ما هي إلا خَرْقٌ وجهلٌ، وتحريرها على زعمهم: "المكان مخلوقٌ من مخلوقات الله، والله تعالى لا يكون داخلَ مخلوقٍ له، والنتيجة التي يريدونها: فليس اللهُ تعالى في مكانٍ! لا علوَّ ولا سفلَ، ولا يمينًا، ولا يسارًا، ولا قدامَ ولا وراءَ، ولا داخلَ ولا خارجَ .. !!! نسأل الله تعالى السلامة.
أخي العاقل
عليك أن تعلم بداهةً أن المكان ليس شيئا مستقلا عن ذاتٍ، بحيث يكون مخلوقًا، كما هي عبارتهم، بل المكان عدمٌ محضٌ، ولا يتصور وجوده إلا بوجود ذاتٍ، فمتى وجدت الذات، أيًّا كانت، فمكانُها يتبعها، لا يستقلُّ عنها، فالحيز الذي تشغله تلك الذات هو مكانُها، ولا ينفكُّ عنها البتة، فمتى عُدمت، لم يبقَ لها مكانٌ، وأصبح الحيِّزُ الذي كانت تشغله عَدَمًا.
مثاله: الكتاب على المائدة، يمينا، فمكانُه ما يشغله من حَيِّزٍ، فإن نقلته يسارًا، انتقل المكانُ تبعًا له، لأنه يتبع ذاتَ الكتابِ، لا يستقل عنه، فإن رفعته للعلو، فمكانه يتبعه، وهلم جرًّا، فإن أفنيت الكتاب بحرقٍ ونحوه، فلم يبقَ منه شيءٌ، لم يعُد هناك شيءٌ اسمه مكانُ الكتاب، لا يمينا، ولا يسارا، ولا فوق، بل عاد المكانُ عدمًا.
وكرر ذلك المثال مع كل ذاتٍ، مهما بلغت عظمتها، فإنما مكانها الحيِّزُ التابعُ لها، لا ينفك عنها، فمتى عُدمت الذات، لم يعد لها مكان، وصار عَدَمًا، ولا يصح عقلا أن يقال: ذَهَبَت الذات وبقي مكانُها، لأنه أصبح فراغًا عَدَمًا.
فتلك عمارة عظيمة، مكانُها هو الحيز الذي تشغله، فإن هُدمت، وأزيلت تماما، لم يَعُد هناك مكانٌ لها، بل أصبح عَدَمًا؛ لذلك يمكن أن يُشغَلَ بشيء آخر، ويصير مكانًا له، وهكذا.
وعليه، فالمكان لا يتصور أن يوجد دون ذاتٍ، بل بدونِ الذاتِ فالمكانُ معدومٌ، فإن تقرر لك هذا، فكيف يقال: إن الله تعالى خلق المكان، وهو معدوم أصلا؟! فالعدم لا ينسب إليه خَلْق، كما لو قلت: خلق الله تعالى الحمل في بطن المرأة، فإن لم تَحمَل المرأة أصلا، فلا يقال: خلق الله تعالى عدمَ الحمل! لأنه معدوم، فلا ينسب إليه خَلْقٌ.
فقرِّر هذا أخي العاقل: "العدمُ لا ينسب إليه خَلْق"، أي: لا يقال إن الله تعالى خلق مكانًا، أو خلق عَدَمًا، ! فهو عَدَمٌ، غيرُ موجود، فكيف يكون مخلوقًا؟! وهذا شاقٌّ عليهم جدا، لقصور فهمهم، إذ كيف يقال: إن الله تعالى لم يخلق العدم، فالله تعالى خالِقُ كلِّ شيءٍ؟!
نقول: نعم، هو سبحانه خالقُ كلِّ شيءٍ، والعدم ليس بشيء، فلا يتصور نسبة فعل الخلق إليه.
إنما خلق الله تعالى ذاتًا، ومن لوازم وجودها أن يكون لها حيِّزٌ تملؤه، وهو ما يسمى بمكانها! فيقال: خلق الله تعالى الأرضَ، وخلق السماءَ، وخلق الجبالَ والبحارَ والشجر والمدر والإنسان والحيوان .. إلخ، ولا يصح أن يقال: خلق الله المعدومات، إذ كونها معدومة، يعني أنها غير موجودة، فأي عقلٍ يقول لمعدومٍ: إن الله تعالى أوجده وخلقه، وهو ما زال معدومًا؟! والمكان معدومٌ أخي العاقل.
فتقرر بذلك أن المكان من حيث هو لا يمكن أن يوجد مستقلا؛ حتى توجد ذاتٌ؛ فيوجد بوجودها، وينعدم بانتفائها.
وعليه، فلا تصح مقالة : "المكان مخلوق" أصلا، إنما قائلها مصابٌ بخِفَّة عقلٍ، ومِسحةِ جهلٍ.
ويبطل بذلك اعتقادُهُم الفاسدُ من كونِ المكانِ شيئًا مخلوقًا موجودًا مستقلًا؛ إذ يستحيل عقلًا وعادةً أن يوجد مكانٌ دونَ ذاتٍ، بل هو من توابعها. 
** ذكَّرني هذا الكلام بقولهم: "النطق بالنية" شرط لصحة العمل، مع أنهم يفسرون النية بجزم القلب، وتوجهه وعزمه وإرادته .. إلخ! إِذَنْ فالنيةُ عَمَلٌ قلبيٌّ محضٌ بإقراركم، فما أَدْخَلَ اللسانَ والنطقَ في ذلك؟!!
والله المستعان
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 9/2/1446هـ
 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف