التوبةُ من العملِ في حلقِ اللحى، والمالُ المكتسبُ منه
شخص كان يعمل حلاقا ، ثم علم أن حلق اللحية حرام، وقد اكتسب
أموالا من ذلك، فهل هي حرام ؟ كما أنه بنى بيتا بهذه الأموال، فما حكمه؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإن الأصل أن العمل في الحلاقة لا بأس به إن كان في المباحات، كحلق الشعر
وتقصيره وقص الشارب ونحوه، أما حلق اللحية أو حلق بعض الشعر وترك البعض، وهو
المسمى بالقزع، فإن هذا منهيٌّ عنه، وقد جاءت نصوص الشرع بكثرة في الأمر بإعفاء
اللحى، والقيام بحلقها أو الإعانة على ذلك مصادمة صريحة للشرع، وكسبها محرم، لمن
كان عالما بالحكم، والكسب المحرم طريق إلى النار، فقد أخرج الترمذي وحسنه عن كعب بن
عجرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ،
إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ».
ثم الكسب من العمل في حلق اللحى والقزع ونحوه، بالنسبة للشخص له حالتان:
الأولى: أن يكون عالما بالتحريم من أول الأمر، فهذا آثمٌ في عمله،
والواجب عليه التوبة، ثم إن تاب فمَالُهُ محلُّ نزاعٍ بين أهل العلم:
فقيل: يتصدق به كله؛ تخلُّصا منه،
ولأن هذا دليلُ صدقِهِ في توبته.
وقيل: يردُّه لمالكه؛ لأنه قبضه
على وجهٍ غيرِ مأذونٍ فيه شرعا، فهو في مقابل منفعة محرمة.
وقيل: ينتفع به بما يكون رأس مال
لمشروع حلال، وهو اختيار شيخ الإسلام، وهو الأقرب لأصول الشرع، ولأن هذا يحمله على
التوبة، قال رحمه الله : " فإن تابت هذه البغيُّ وهذا الخَمَّارُ ، وكانوا فقراءَ
جاز أن يصرفَ إليهم من هذا المالِ قدر حاجتهم ، فإن كان يقدر يتَّجر أو يعمل صنعة كالنسج
والغزل ، أعطي ما يكون له رأس مال ".
الثانية: أن يكون جاهلا بالتحريم أصلا، ولم يعلم بحرمة هذا الكسب، لشبهة
ونحوه، فهذا إن تاب بعد علمه بالحكم، فمالُه كله له حلال، لا أعلم في ذلك نزاعا،
لقوله تعالى في سياق التائبين من الربا: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى
فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275]، فأثبت له المال حلالا، بقوله : { فَلَهُ مَا سَلَفَ
}، وقد ذكر أكثر المفسرين أن من تاب من الربا، وهو لا يعلم تحريمه أن ماله له، لا
شبهة فيه، والربا من أعظم المحرمات في الكسب، فحلق اللحية والقزع ونحوه من باب
أولى بالحل.
والله الموفق
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 5/6/1430هـ