سبُّ الرســول صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق
وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن من أعظم الأفعال قبحًا التطاولَ على النبي محمد صلى
الله عليه سلم بالسبِّ أو الانتقاص والامتهان؛ لذا فقد حكى غير واحد الإجماع على
قتل سابِّ النبي صلى الله عليه وسلم وتكفيره، نقل ذلك ابن المنذر([1])، قال الخطابي: لا أعلم أحدا من
المسلمين اختلف في وجوب قتله([2]).
وقال مالك: من سبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شتمه أو عابه أو تنقصه قُتل مسلما كان أو كافرا ولا يستتاب،
وروى ابن وهب عن مالك: من قال: رداء النبيصلى الله عليه وسلم وسِخٌ، وأراد به عَيْبَه قُتِل([3]).
وقال القاضي عياض: جميع من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصا في نفسه أونسبه أو دينه أو
خصلة من خصاله أو عَرَّض به بشيءٍ على طريق السب له والإزراء عليه أو البغض له والعيب
له فهو سابٌّ له، والحكمُ فيه حكمُ السابِّ يقتل.
وقال محمَّد بن سحنون: أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم والمتنقص له كافر، والوعيد جاء عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمَّة القتل، ومَنْ شكَّ في كفره وعذابه كفر .
وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: كل من شتم النبيصلى الله عليه وسلم أو تنقصه مسلما كان
أو كافرا فعليه القتل، وأرى أن يقتل ولا يستتاب .
وكان عمر بن عبد العزير يقول: يقتل، قال شيخ الإسلام: وذلك أن من شتم النبي صلى الله عليه وسلم مرتدٌّ عن الإسلام، ولا يشتم مسلمٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم .
وقال شيخ الإسلام: وتحرير القول أن الساب إن كان مسلما
فإنه يكفر، ويقتل بغير خلاف، وهو مذهب الإئمة الأربعة وغيرهم، وقال رحمه الله: فقد
اتفقت نصوص العلماء من جميع الطوائف على أن التَّنقُّص به كفرٌ مبيحٌ للدم، ولا
فرق في ذلك بين أن يقصد عيبه، والإزراء به أو لا يقصد عيبه، لكن المقصود شيءٌ آخر،
وحصل السبُّ تبعاً له أو لا يقصد شيئاً من ذلك، بل يهزل ويمزح، أو يفعل غير ذلك.
فهذا كله يشترك في هذا الحكم إذا كان القول نفسه سبًّا،
فإن الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظنُّ أن تبلغ ما بلغت يهوي بها في
النار أبعد مما بين المشرق والمغرب([4])، ومن قال ما هو سبّ وتنقص له فقد
آذى الله ورسوله، وهو مأخوذٌ بما يؤذي به الناس من القول الذي هو في نفسه أذىً وإن
لم يقصد أذاهم([5]) .
وقد كثرت عبارات الفقهاء في هذا
الباب، واتفقت على تكفير من سبّ النبيr، وأنه مرتد حدُّه حـدُّه،
وكذلك من سبّ نبيا من الأنبياء، ومن سبّ من اختلف في نبوته كالخضر ولقمان نكل
نكالا شديدا([6]) .
واستدلوا لتحريم سبّ النبيصلى الله عليه وسلم بالآتي:
أولا: من
القُرْآن:
1-قوله تعالى: ] وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ
وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ
يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(61)يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ
لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا
مُؤْمِنِينَ(62)أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزي الْعَظِيم(63)[ُ[التوبة]فعُلم أن إيذاء رسول اللهrمحادَّة لله ولرسولهrفدلَّ ذلك على أن الإيذاء والمحادة لرسول اللهrكفر؛ حيث أخبر أن له نار جهنم خالدا فيها، فكل من سبّ
النبيَّrفهو مؤذٍ له ومحادٌّ ومعادٍ له،
ولو كان على وجه اللعب والمزاح.
2-قوله تعالى: ]الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ
اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا[(الأحزاب -57) فقرن الله تعالى أذاه بأذاه، كما قرن طاعته بطاعته،
فمن آذاه فقد آذى الله، ومن آذى الله فهو كافر حلال الدم، ومما ينبغي التفطن له أن
لفظ الأذى في اللغة لِما خفَّ أمرُهُ وضعف أثرُهُ من المكروه والشرِّ، كما في قوله
تعالى: ] لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا
أَذًى[(آل عمران-111)وقوله: ]وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى[(البقرة-222) ([7])فإذا ترتب عليه مع خفته اللعن
والطـرد من رحمة الله تعالى علم أن سبّ النبيrموجب لذلك وزيادة .
3-قوله تعالى] :وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ
وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ
تَسْتَهْزِئُونَ(65)لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ[( التوبة ? 66،65) فدلت الآية على أن كل من
تنقَّص رسول اللهrجادا
أو هازلا فقد كفر، وقد جاء في سبب نزولها ما سبق ذكره([8])،
قال مجاهد: قال رجل من المنافقين: يحدثنا محمَّدٌ أن ناقة فلان بوادي كذا وكذا،
وما يدري ما الغيب!!فأنزل الله Iهذه الآية([9])
.
4-قوله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا
أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ
كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا
تَشْعُرُون[َ(الحجرات-2) فإذا ثبت أن رفع
الصوت فوق صوت النبيrوالجهر له بالقول يخاف من كفر
صاحبه وحبوط عمله وهو لا يشعر، وأن ذلك مظنة وسبب فيه،وإنما ذلك لما ينبغي لهrمن التعزير والتوقير والتعظيم والإكرام، ولما في رفع
الصوت من أذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم واستخفاف به وإن لم يقصد
الرافع ذلك، فإذا كان ذلك مع عدم قصد صاحبه يكون كفرا محبطا للعمل([10])، فكيف بسبِّه؟! ففيه من الاستخفاف والأذى أضعافَ أضعافِ ما في
رفع الصوت.
5-قوله تعالى: ]وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ
وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ
عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا[(الأحزاب-53) فحرَّم الله على
الأُمَّة أن تنكح أزواج النبيr من بعده؛ لأن ذلك يؤذيه،
وجعله عند الله عظيما؛ تعظيما لحرمته r فالشاتم الساب له أولى.
ثانيا: من السنة:
1-قصة العصماء بنت مروان وكانت
امرأة من خطمة هجت النبيrفقال: من لي بها؟ فقال رجـل من
قومها: أنا يا رسول الله، فنهض فقتلها، فأخبر النبيrبذلك فالتفت النبيصلى الله عليه وسلم إلى من حـوله، وقال: إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجلٍ نصر الله
ورسوله بالغيب فانظروا إلى عمير بن عدي([11]) .
ووجه الدلالة: أن هذه المرأة لم تقتل إلا لمجرَّد أذى النبيrوهجوه، وقد ندب النبيُّصلى الله عليه وسلم الناسَ إلى قتلها مع كونها امـرأة، وقال فيمن قتلها ما
قال، فثبت أن هجـاءه وذمه موجب للقتل.
2-عن سعد بن أبي وقاصtقال: لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي
السرح عند عثمان بن عفانtفجاء به حتَّى أوقفه على النبيصلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بايع عبد الله، فرفع رأسه فنظر إليه
ثلاثا كل ذلك يأبى، ثم بايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه، فقال: أما كان فيكم
رجل شديد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله، فقالوا: وما ندري
يارسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك، فقـال: "إنه لا ينبغي لنبي
أن تكون له خائنة أعين" ([12]).
قال شيخ الإسلام: فوجه الدلالة أن عبدالله بن سعد بن أبي سرح افترى على النبي e أنه كان يُتَمِّم له الوحي ويكتب له ما يريد، فيوافقه عليه، وأنه يصرِّفه حيث شاء، وبغير ما أمره به من الوحي، فيُقرُّه على ذلك، و زعم أنه سينزل مثل ما أنزل الله؛ إذ كان قد أوحي إليه في زعمه كما أوحي إلى رسول اللهe، وهذا الطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى كتابه، والافتراء عليه بما يوجب الرَّيْب في نبوته قدر زائد على مجرَّد الكفر به والردة في الدِّين، وهو من أنواع السبِّ([13]) .
3-وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل نصراني فأسلَمَ وقرأ
البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي r فَعَادَ نصرانيا، فكان يقول:
لا يدري محمَّدٌ إلا ما كتبت له، فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض،
فقالوا: هذا فعل محمَّدٍ وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا في الأرض ما
استطاعوا، فأصبح قد لفظته، فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه([14])، ولمسلم: فما لبث أنْ قَصَم الله
عنقه فيهم، فحفروا له فَوَارَوْهُ، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا
فحفروا له فوَارَوْه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له
فوارَوْه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، فتركوه منبوذاً([15]).
قال شيخ الإسلام: فهذا الملعون الذي افترى على النبي e أنه ما كان يدري إلا ما كتب
له، قصمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دُفن مِراراً، وهذا أمر خارج عن
العادة، يدلُّ كلَّ أحدٍ على أن هذا عقوبة لما قاله، وأنه كان كاذباً؛ إذ كان عامة
الموتى لا يصيبهم مثل هذا، وأن هذا الجرم أعظم من مجرَّد الارتداد؛ إذ كان عامة
المرتديـن يموتون ولا يصيبهم مثلُ هذا، وأن الله منتقمٌ لرسولهrممن طعن عليه وسبه([16]).
وهذا باب واسع وهو محل إجماع كما سبق، لكن إذا تعددت
الدلالات تعاضدت على كفر السابِّ وعظم عقوبته تبين بذلك أن ترك توقير رسول اللهr وسوء الأدب معه مما يخاف معه الكفر المحبط للعمل.
ومن العقل:
أن الله فرض الله علينا حبه صلى الله عليه وسلم وتعزيره وتوقيره وإجلاله وتعظيمه، وهذا يوجب صون عرضه وصيانته عن أي إذى بسبٍّ أو شتم، سواء على وجه الجد أو المزاح والهزل، فالواجبُ الكفُّ عن هذا، وزجر من فعله ومنعه بكل طريق، فانتهاك جانب النبيصلى الله عليه وسلم منافٍ للدين بالكلية، إذ يلزم من انتهاك حرمته انتهاك الشريعة وماجاء به، فيبطل بذلك الدِّين، فكان الواجب الثناء عليه بما هو أهله r الذي هو قيام للدين كله([17]).
وعليه فلا يجوز سبُّ النبي r في العمل التَّمثيلي من مسلم أو غيره، بل يجب سدُّ كلِّ بابٍ يفضي
إلى ذلك، وكون العمل التَّمثيلي لا ينجح إلا بكون العمل يبدو حقيقيا دعوى باطلة،
بل يمكن أن يشار إلى ما عليه الكفار من بغضٍ وعداءٍ لرسول اللهr بتشويه ما كانوا عليه من الكفر، دون المساس بجناب النبي الكريمr، وقد تقدم ما يدلُّ على كون الساب مرتدا عن الإسلام بقطع النظر عن
قصده، فسواءٌ قصد الجد أو الهزل فهما سواء.
ومما يدلُّ على خطر هذا الأمر أن
العلماء أجمعوا على أن الساب للنبيصلى الله عليه وسلم يقتل بكل حـال([18])، بينما لم يذكروا ذلك في سبّ
اللهIوفرقوا بين هذين الأمرين بالآتي:-
أولا: أن سبّ اللهI حقٌّ محضٌّ لله، وذلك يسقط بالتوبة، كالزنا والسرقة ونحوهما من
الذنوب، بخلاف سبّ النبيrالذي فيه حقان: حق لله، وحق
للعبد، ولا يسقط حق الآدمي بالتوبة كالقتل في المحاربة.
ثانيا: أن النبيr تلحقه المعرَّةُ بالسَّبِّ؛ لأنه بشر من جنس الآدميين الذين
تلحقهم الغضاضة بالسب والشتم ويثابون على سبهم، ويعطيهم الله حسنات الشاتم عوضا
على ما أصابهم من المصيبة بالشتم، أما الخالق فلا تلحقه معرَّةٌ ولا غضاضة بذلك،
فإنهIمنزه عن لحوق المنافع والمضار،
كما جاء في الحديث القدسي: "إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي
فتنفعوني"([19])، فإذا كان النبيr تلحقه المعرَّةُ بسبِّه، وربما كان ذلك سببا للتنفير عنه، وقلة
هيبته، وسقوط حرمته، فشرعت العقوبة على خصوص الفساد الحاصل بسبه، فلا تسقط
بالتوبة، بخلاف ساب الله الذي هو في الحقيقة ضارٌّ لنفسه، كالكافر والمرتد، فمن
تاب زال ضرر نفسه فلا يقتل.
ثالثا: أن النبيصلى الله عليه وسلم إنما يسب على وجه الاستخفاف والاستهانة به، وللنفوس
الكافرة والمنافقة إلى ذلك داعٍ طبعي، من جهة الحسد على ما آتاه الله من تعالى من
فضله، ومخالفة دينه وغيره، وكُلُّ مفسدة يكون لها داعٍ فلابد من شرع العقوبة عليها
حدًّا، كشرب الخمر، والزنا، وما كان كذلك لم يسقط بالتوبة كسائر الجرائم، وأما سبّ
اللهI فإنه لا يقع في الغالب
استخفافا، إنما تدينا، وليس للنفوس في الغالب داعٍ إلى ذلك إلا اعتقادا ويرونه
تمجيدا وتعظيما، فلم يحتج إلى خصوص سبّ الله شرعٌ زاجرٌ، بل هو نوع من الكفر،
فيقتل الإنسان عليه إلا أن يتوب.
رابعا: أن سبّ النبي صلى الله عليه وسلم موجب لحدٍّ وجب لسب آدمي ميت لم يعلم أنه عفا عنه، وذلك لا يسقط
بالتوبة، بخلاف سبّ الله تعالى، فإنه قد علم أنه عفا عمَّن سبه إذا تاب؛ وذلك أن
سبّ الرسولr متردد في سقوط حده بالتوبة
بين سبّ الله وسائر الآدميين، فيجب إلحاقه بأشبه الأصلين به، ومعلوم أن سبّ الآدمي
لا تسقط عقوبته بالتوبة؛ لأن حقوق الآدميين لا تسقط بالتوبة، كحقِّ المقذوف، أو من
له حقُّ قصاصٍ؛ لأن الآدميين ينتفعون باستيفاء حقوقهم، ولا ينتفعون بتوبة التائب،
فإن تاب مَنْ للآدمي عليه حقُّ قِصاصٍ أو قذفٍ فإن له أن يأخذه منه لينتفع به
تَشَفِّيا، ودَرَكَ ثأرٍ، وصيانةَ عرضٍ، وحق اللهI قد علم سقوطه بالتوبة؛ لأنه إنما أوجب الحقوق لينتـفع بها العباد،
فإذا رجعوا إلى ما ينفعهم حصل مقصود الإيجاب([20]).
أما سبُّ سائر الأنبياء غير نبينا محمَّدrفكالحكم في سبّ النبي محمَّدٍصلى الله عليه وسلم فمن سبّ نبيًّا من الأنبياء المعروفين المذكورين في
القُرْآن أو موصوفا بالنبوة، مثل إن يذكر في حديث أن نبيا فعل كذا، أو قال كذا،
فيسب ذلك القائل أو الفاعل مع العلم بأنه نبي، وإن لم يعلم من هو، أو يسب نوع
الأنبياء على الإطلاق، فالحكم في هذا كما تقدم؛ لأن الإيمان بهم واجب عموما،
وخصوصا فيمن قصَّه الله علينا في كتابه، فسبهم كفر ورِدَّة إن كان من مسلم،
ومحاربةٌ إن كان من ذميٍّ.
والله الموفق
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 23/3/1427هـ
([3] )
سبُّ الرســول صلى الله عليه وسلم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق
وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد فإن من أعظم الأفعال قبحًا التطاولَ على النبي محمد صلى
الله عليه سلم بالسبِّ أو الانتقاص والامتهان؛ لذا فقد حكى غير واحد الإجماع على
قتل سابِّ النبي صلى الله عليه وسلم وتكفيره، نقل ذلك ابن المنذر([1])، قال الخطابي: لا أعلم أحدا من
المسلمين اختلف في وجوب قتله([2]). وقال مالك: من سبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شتمه أو عابه أو تنقصه قُتل مسلما كان أو كافرا ولا يستتاب،
وروى ابن وهب عن مالك: من قال: رداء النبيصلى الله عليه وسلم وسِخٌ، وأراد به عَيْبَه قُتِل([3]). وقال القاضي عياض: جميع من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصا في نفسه أونسبه أو دينه أو
خصلة من خصاله أو عَرَّض به بشيءٍ على طريق السب له والإزراء عليه أو البغض له والعيب
له فهو سابٌّ له، والحكمُ فيه حكمُ السابِّ يقتل. وقال محمَّد بن سحنون: أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم والمتنقص له كافر، والوعيد جاء عليه بعذاب الله له،
وحكمه عند الأمَّة القتل، ومَنْ شكَّ في كفره وعذابه كفر . وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: كل من شتم النبيصلى الله عليه وسلم أو تنقصه مسلما كان أو كافرا فعليه القتل، وأرى أن يقتل ولا يستتاب . وكان عمر بن عبد العزير يقول: يقتل، قال شيخ الإسلام:
وذلك أن من شتم النبي صلى الله عليه وسلم مرتدٌّ عن الإسلام، ولا يشتم
مسلمٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم . وقال شيخ الإسلام: وتحرير القول أن الساب إن كان مسلما
فإنه يكفر، ويقتل بغير خلاف، وهو مذهب الإئمة الأربعة وغيرهم، وقال رحمه الله: فقد
اتفقت نصوص العلماء من جميع الطوائف على أن التَّنقُّص به كفرٌ مبيحٌ للدم، ولا
فرق في ذلك بين أن يقصد عيبه، والإزراء به أو لا يقصد عيبه، لكن المقصود شيءٌ آخر،
وحصل السبُّ تبعاً له أو لا يقصد شيئاً من ذلك، بل يهزل ويمزح، أو يفعل غير ذلك. فهذا كله يشترك في هذا الحكم إذا كان القول نفسه سبًّا،
فإن الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظنُّ أن تبلغ ما بلغت يهوي بها في
النار أبعد مما بين المشرق والمغرب([4])، ومن قال ما هو سبّ وتنقص له فقد
آذى الله ورسوله، وهو مأخوذٌ بما يؤذي به الناس من القول الذي هو في نفسه أذىً وإن
لم يقصد أذاهم([5]) . وقد كثرت عبارات الفقهاء في هذا
الباب، واتفقت على تكفير من سبّ النبيr، وأنه مرتد حدُّه حـدُّه،
وكذلك من سبّ نبيا من الأنبياء، ومن سبّ من اختلف في نبوته كالخضر ولقمان نكل
نكالا شديدا([6]) . واستدلوا لتحريم سبّ النبيصلى الله عليه وسلم بالآتي: أولا: من
القُرْآن: 1-قوله تعالى: ] وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ
وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ
يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(61)يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ
لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا
مُؤْمِنِينَ(62)أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزي الْعَظِيم(63)[ُ[التوبة]فعُلم أن إيذاء رسول اللهrمحادَّة لله ولرسولهrفدلَّ ذلك على أن الإيذاء والمحادة لرسول اللهrكفر؛ حيث أخبر أن له نار جهنم خالدا فيها، فكل من سبّ
النبيَّrفهو مؤذٍ له ومحادٌّ ومعادٍ له،
ولو كان على وجه اللعب والمزاح. 2-قوله تعالى: ]الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ
اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا[(الأحزاب -57) فقرن الله تعالى أذاه بأذاه، كما قرن طاعته بطاعته،
فمن آذاه فقد آذى الله، ومن آذى الله فهو كافر حلال الدم، ومما ينبغي التفطن له أن
لفظ الأذى في اللغة لِما خفَّ أمرُهُ وضعف أثرُهُ من المكروه والشرِّ، كما في قوله
تعالى: ] لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا
أَذًى[(آل عمران-111)وقوله: ]وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى[(البقرة-222) ([7])فإذا ترتب عليه مع خفته اللعن
والطـرد من رحمة الله تعالى علم أن سبّ النبيrموجب لذلك وزيادة . 3-قوله تعالى] :وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ
وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ
تَسْتَهْزِئُونَ(65)لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ[( التوبة ? 66،65) فدلت الآية على أن كل من
تنقَّص رسول اللهrجادا
أو هازلا فقد كفر، وقد جاء في سبب نزولها ما سبق ذكره([8])،
قال مجاهد: قال رجل من المنافقين: يحدثنا محمَّدٌ أن ناقة فلان بوادي كذا وكذا،
وما يدري ما الغيب!!فأنزل الله Iهذه الآية([9])
. 4-قوله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا
أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ
كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا
تَشْعُرُون[َ(الحجرات-2) فإذا ثبت أن رفع
الصوت فوق صوت النبيrوالجهر له بالقول يخاف من كفر
صاحبه وحبوط عمله وهو لا يشعر، وأن ذلك مظنة وسبب فيه،وإنما ذلك لما ينبغي لهrمن التعزير والتوقير والتعظيم والإكرام، ولما في رفع
الصوت من أذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم واستخفاف به وإن لم يقصد
الرافع ذلك، فإذا كان ذلك مع عدم قصد صاحبه يكون كفرا محبطا للعمل([10])، فكيف بسبِّه؟! ففيه من الاستخفاف والأذى أضعافَ أضعافِ ما في
رفع الصوت. 5-قوله تعالى: ]وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ
وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ
عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا[(الأحزاب-53) فحرَّم الله على
الأُمَّة أن تنكح أزواج النبيr من بعده؛ لأن ذلك يؤذيه،
وجعله عند الله عظيما؛ تعظيما لحرمته r فالشاتم الساب له أولى. ثانيا: من السنة: 1-قصة العصماء بنت مروان وكانت
امرأة من خطمة هجت النبيrفقال: من لي بها؟ فقال رجـل من
قومها: أنا يا رسول الله، فنهض فقتلها، فأخبر النبيrبذلك فالتفت النبيصلى الله عليه وسلم إلى من حـوله، وقال: إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجلٍ نصر الله
ورسوله بالغيب فانظروا إلى عمير بن عدي([11]) . ووجه الدلالة: أن هذه المرأة لم تقتل إلا لمجرَّد أذى النبيrوهجوه، وقد ندب النبيُّصلى الله عليه وسلم الناسَ إلى قتلها مع كونها امـرأة، وقال فيمن قتلها ما
قال، فثبت أن هجـاءه وذمه موجب للقتل. 2-عن سعد بن أبي وقاصtقال: لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي
السرح عند عثمان بن عفانtفجاء به حتَّى أوقفه على النبيصلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بايع عبد الله، فرفع رأسه فنظر إليه
ثلاثا كل ذلك يأبى، ثم بايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه، فقال: أما كان فيكم
رجل شديد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله، فقالوا: وما ندري
يارسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك، فقـال: "إنه لا ينبغي لنبي
أن تكون له خائنة أعين" ([12]). قال شيخ الإسلام: فوجه الدلالة أن عبدالله بن سعد بن
أبي سرح افترى على النبي e أنه كان يُتَمِّم له الوحي
ويكتب له ما يريد، فيوافقه عليه، وأنه يصرِّفه حيث شاء، وبغير ما أمره به من
الوحي، فيُقرُّه على ذلك، و زعم أنه سينزل مثل ما أنزل الله؛ إذ كان قد أوحي إليه
في زعمه كما أوحي إلى رسول اللهe، وهذا الطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى كتابه، والافتراء عليه
بما يوجب الرَّيْب في نبوته قدر زائد على مجرَّد الكفر به والردة في الدِّين، وهو
من أنواع السبِّ([13]) . 3-وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل نصراني فأسلَمَ وقرأ
البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي r فَعَادَ نصرانيا، فكان يقول:
لا يدري محمَّدٌ إلا ما كتبت له، فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض،
فقالوا: هذا فعل محمَّدٍ وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا في الأرض ما
استطاعوا، فأصبح قد لفظته، فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه([14])، ولمسلم: فما لبث أنْ قَصَم الله
عنقه فيهم، فحفروا له فَوَارَوْهُ، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا
فحفروا له فوَارَوْه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له
فوارَوْه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، فتركوه منبوذاً([15]). قال شيخ الإسلام: فهذا الملعون الذي افترى على النبي e أنه ما كان يدري إلا ما كتب
له، قصمه الله وفضحه بأن أخرجه من القبر بعد أن دُفن مِراراً، وهذا أمر خارج عن
العادة، يدلُّ كلَّ أحدٍ على أن هذا عقوبة لما قاله، وأنه كان كاذباً؛ إذ كان عامة
الموتى لا يصيبهم مثل هذا، وأن هذا الجرم أعظم من مجرَّد الارتداد؛ إذ كان عامة
المرتديـن يموتون ولا يصيبهم مثلُ هذا، وأن الله منتقمٌ لرسولهrممن طعن عليه وسبه([16]). وهذا باب واسع وهو محل إجماع كما سبق، لكن إذا تعددت
الدلالات تعاضدت على كفر السابِّ وعظم عقوبته تبين بذلك أن ترك توقير رسول اللهr وسوء الأدب معه مما يخاف معه الكفر المحبط للعمل. ومن العقل: أن الله فرض الله علينا حبه صلى الله عليه وسلم وتعزيره وتوقيره وإجلاله وتعظيمه، وهذا يوجب صون عرضه
وصيانته عن أي إذى بسبٍّ أو شتم، سواء على وجه الجد أو المزاح والهزل، فالواجبُ
الكفُّ عن هذا، وزجر من فعله ومنعه بكل طريق، فانتهاك جانب النبيصلى الله عليه وسلم منافٍ للدين بالكلية، إذ يلزم من انتهاك حرمته انتهاك
الشريعة وماجاء به، فيبطل بذلك الدِّين، فكان الواجب الثناء عليه بما هو أهله r الذي هو قيام للدين كله([17]). وعليه فلا يجوز سبُّ النبي r في العمل التَّمثيلي من مسلم أو غيره، بل يجب سدُّ كلِّ بابٍ يفضي
إلى ذلك، وكون العمل التَّمثيلي لا ينجح إلا بكون العمل يبدو حقيقيا دعوى باطلة،
بل يمكن أن يشار إلى ما عليه الكفار من بغضٍ وعداءٍ لرسول اللهr بتشويه ما كانوا عليه من الكفر، دون المساس بجناب النبي الكريمr، وقد تقدم ما يدلُّ على كون الساب مرتدا عن الإسلام بقطع النظر عن
قصده، فسواءٌ قصد الجد أو الهزل فهما سواء. ومما يدلُّ على خطر هذا الأمر أن
العلماء أجمعوا على أن الساب للنبيصلى الله عليه وسلم يقتل بكل حـال([18])، بينما لم يذكروا ذلك في سبّ
اللهIوفرقوا بين هذين الأمرين بالآتي:- أولا: أن سبّ اللهI حقٌّ محضٌّ لله، وذلك يسقط بالتوبة، كالزنا والسرقة ونحوهما من
الذنوب، بخلاف سبّ النبيrالذي فيه حقان: حق لله، وحق
للعبد، ولا يسقط حق الآدمي بالتوبة كالقتل في المحاربة. ثانيا: أن النبيr تلحقه المعرَّةُ بالسَّبِّ؛ لأنه بشر من جنس الآدميين الذين
تلحقهم الغضاضة بالسب والشتم ويثابون على سبهم، ويعطيهم الله حسنات الشاتم عوضا
على ما أصابهم من المصيبة بالشتم، أما الخالق فلا تلحقه معرَّةٌ ولا غضاضة بذلك،
فإنهIمنزه عن لحوق المنافع والمضار،
كما جاء في الحديث القدسي: "إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي
فتنفعوني"([19])، فإذا كان النبيr تلحقه المعرَّةُ بسبِّه، وربما كان ذلك سببا للتنفير عنه، وقلة
هيبته، وسقوط حرمته، فشرعت العقوبة على خصوص الفساد الحاصل بسبه، فلا تسقط
بالتوبة، بخلاف ساب الله الذي هو في الحقيقة ضارٌّ لنفسه، كالكافر والمرتد، فمن
تاب زال ضرر نفسه فلا يقتل. ثالثا: أن النبيصلى الله عليه وسلم إنما يسب على وجه الاستخفاف والاستهانة به، وللنفوس
الكافرة والمنافقة إلى ذلك داعٍ طبعي، من جهة الحسد على ما آتاه الله من تعالى من
فضله، ومخالفة دينه وغيره، وكُلُّ مفسدة يكون لها داعٍ فلابد من شرع العقوبة عليها
حدًّا، كشرب الخمر، والزنا، وما كان كذلك لم يسقط بالتوبة كسائر الجرائم، وأما سبّ
اللهI فإنه لا يقع في الغالب
استخفافا، إنما تدينا، وليس للنفوس في الغالب داعٍ إلى ذلك إلا اعتقادا ويرونه
تمجيدا وتعظيما، فلم يحتج إلى خصوص سبّ الله شرعٌ زاجرٌ، بل هو نوع من الكفر،
فيقتل الإنسان عليه إلا أن يتوب. رابعا: أن سبّ النبي صلى الله عليه وسلم موجب لحدٍّ وجب لسب آدمي ميت لم يعلم أنه عفا عنه، وذلك لا يسقط
بالتوبة، بخلاف سبّ الله تعالى، فإنه قد علم أنه عفا عمَّن سبه إذا تاب؛ وذلك أن
سبّ الرسولr متردد في سقوط حده بالتوبة
بين سبّ الله وسائر الآدميين، فيجب إلحاقه بأشبه الأصلين به، ومعلوم أن سبّ الآدمي
لا تسقط عقوبته بالتوبة؛ لأن حقوق الآدميين لا تسقط بالتوبة، كحقِّ المقذوف، أو من
له حقُّ قصاصٍ؛ لأن الآدميين ينتفعون باستيفاء حقوقهم، ولا ينتفعون بتوبة التائب،
فإن تاب مَنْ للآدمي عليه حقُّ قِصاصٍ أو قذفٍ فإن له أن يأخذه منه لينتفع به
تَشَفِّيا، ودَرَكَ ثأرٍ، وصيانةَ عرضٍ، وحق اللهI قد علم سقوطه بالتوبة؛ لأنه إنما أوجب الحقوق لينتـفع بها العباد،
فإذا رجعوا إلى ما ينفعهم حصل مقصود الإيجاب([20]). أما سبُّ سائر الأنبياء غير نبينا محمَّدrفكالحكم في سبّ النبي محمَّدٍصلى الله عليه وسلم فمن سبّ نبيًّا من الأنبياء المعروفين المذكورين في
القُرْآن أو موصوفا بالنبوة، مثل إن يذكر في حديث أن نبيا فعل كذا، أو قال كذا،
فيسب ذلك القائل أو الفاعل مع العلم بأنه نبي، وإن لم يعلم من هو، أو يسب نوع
الأنبياء على الإطلاق، فالحكم في هذا كما تقدم؛ لأن الإيمان بهم واجب عموما،
وخصوصا فيمن قصَّه الله علينا في كتابه، فسبهم كفر ورِدَّة إن كان من مسلم،
ومحاربةٌ إن كان من ذميٍّ. والله الموفق كتبه: د.محمد بن موسى الدالي في 23/3/1427هـ
التعليقات (0)