حكمُ مَسِّ غيرِ المسلمِ المصحفَ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق
وسيد المرسلين، نبينا محمدوعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فقد اتفق الفقهاء على أنه لا
يجـوز لغير المسـلم تناول القُرْآن وأخذه بيده، وهو مذهب الأئمة الأربعة([1])، بل ذكر بعضهم أنه لا يجوز أن
يعلم الكافر القُرْآن ويحفظه؛ صيانة له وتشريفا من أن يمسَّه من ليس من أهله([2])، ولا يجوز إقراره على تملكه،
أُورِدُ طرفاً من كلامهم لضرورة ذلك: -
قال ابن عبد البر بعد أن عرض الخلاف في تعليم الكافر
القُرْآن: والحجة في ذلك قوله تعالى: ]لَا يَمَسُّهُ إِلَّا
الْمُطَهَّرُونَ[(الواقعة-79)ومعلوم أن من
تنزيه القُرْآن وتعظيمه إبعاده عن الأقذار والنجاسات، وفي كونه عند أهل الكفر
تعريض له لذلك وإهانة له، وكلـهم أنجاس لا يغتسلون من جنابة ولا يعافون ميتة([3]).
وقال ابن الماجشون: لو أن الطاغية
كتب إلى السلطان أن يبعث إليه مصحفا يتدبره، ويدعو إليه فلا ينبغي أن يفعل، وهم
أنجاس، وأهل طعنـة وبغض في الإسلام وأهله، وإن طلبك كافر أن تعلمه القُرْآن فلا
تفعل؛ لأنه جنب، ولا بأس أن يقرأ عليه القُرْآن يحتج به عليه([4]).
وجاء في كشاف القناع: ويمنع المسلم من تمليك المصحف
للذمي؛ لأنه متدين بانتهاكه، فإن ملكه الكافر بإرث أو غيره ألزم بإزالة ملكه عنه([5]).
وجاء في الشروط العمرية على الكفار: "ولا نعلِّم
أولادنا القُرْآن"؛ صيانة له أن يحفظه من ليس من أهله، ولا يؤمن به، بل هو
كافر به...وقد نهى النبيrأن يسافر بالقُرْآن إلى أرض
العدو؛ مخافة أن تناله أيديهم ([6]).
واستدلوا لذلك بالآتي: -
أولا: قوله تعالى: ]لَا
يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ[(الواقعة-79).
ثانيا: الكتاب الذي كتبه رسول الله rلعمرو
بن حزم: " أن لا يمس القُرْآن إلا طاهر"([7]).
ووجه الدلالة من الآية والحديث أن القُرْآن
لا يجوز أن يمسه إلا طاهر، ومن المعلوم أن المشركين نجس فلا يجوز لهم مسه، ويجب
على المسلمين منعهم من ذلك.
يؤيد ذلك أنه إذا كان المسلم ممنوعا من مس المصحف ما لم
يكن وضوء، وهو قول جمهور الفقهاء وأكثر أهل العلم([8])، فالكافر الموصوف بالنجاسة أولى
بالمنع.
ثالثا: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله
r"أنه كان ينهى أن يسافر
بالقُرْآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو"([9])قال مالك: إن النهي مخافة أن
يناله العدو، فيؤدي إلى استهانته([10]) .
فإن قيل: جاء في قصة هرقل عن ابن عباس رضي الله عنهما،
وفيه فقرأ كتاب رسول اللهrوفيه قوله تعالى: ]يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ[ الْآيَة، فما الجواب على ذلك؟
فالجواب: أن هذا يحمل على ما إذا دعي إلى الإسلام، أو
كانت ضرورة إلى ذلك([11]).
والله الموفق
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 7/7/1428هـ
([1]) انظر:البحر
الرائق 1/212، والتمهيد 15/255، و التاج والإكليل3/352، وروضة الطالبين10/311،
والمجموع2/19، وشرح العمدة1/386، وكشاف القناع1/136، وانظر :إعلام
الموقعين3/153ط/دار الجيل، وأحكام أهل الذمة3/1329ط/دار ابن حزم0
([7]) أخرجه
مالك في الموطأ في النداء للصلاة/باب الأمر بالوضوء لمن مس القُرْآن(468)،
والدارمي في الطلاق/باب لا طلاق قبل نكاح(2166)، وأبو داود في مراسيله(122)والدارقطني
في السنن1/121، وابن حبان في صحيحه14/504، والحاكم في المستدرك1/553وصححه،
والبيهقي1/563، والحديث في إسناده مقال، فهو من رواية سليمان بن أرقم وهو متروك،
انظر:التلخيص1/196، وتنقيح أحاديث التعليق1/131، قال ابن عبد
البر:كتاب النبيrإلى عمرو بن حزم كتاب مشهور عند أهل العلم، معروف يستغنى
بشهرته عن الإسناد، التمهيد17/396 0