حكم تمثيل القصص الأسطورية
والخيالية
الحمد لله ر بالعالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق
وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن المراد بالتَّمثيل الخيالي: ذاك التمثيل الذي يدور
في عالم يختلف عن واقعنا الفعلي الذي نعيش فيه، في ناحية هامَّةٍ، واحدة أو أكثر([1]).
وهذا التعريف كما يظهر قاصر، لكن الناظر في كلام أهل
اللغة يجد أن التخيل يراد به ما يتصوره الشَّخْص بعقله وفكره ونفسه، سواء كان له
وجود في الواقع ونظير أم لا([2])
وعليه فالمراد بالأعمال الخيالية كل ما يتصوره الإنسان
بعقله من أشكال غريبة وحركات غير معتادة، كأن يطير الإنسان، أو يكون له أكثر من
ذراع، أو يكون حيوان برأس إنسان، أو حيوان يتكلم، أو تخيل غير ذلك من
الجمادات،كجدران تتفكك وتتحرك بشكل منتظم، أو التقنيات الحديثة، أو السفر بسفن
فضائية يسبقون بها الزمان ...إلخ.
فهي أعمال?على حدِّ زعمهم-تختص بصورة مباشرة بقضايا
المستقبل، وأن هذه الأفكار التي تحملها يجب أن يأخذها العلماء على محمل الجدِّ
والتطبيق.
وقد قدمت السينما العالمية مجموعة كبيرة من أفلام
الخيال العلمي والأسطوري، بدءاً بفيلم "القزم" الذي قُدِّم عام 1916م ثم
تلا ذلك أعمال عديدة جدا، منها: الجزيرة الغامضة، وحرب النجوم، ورحلة إلى القمر،
وكوكب القرود، وغير ذلك كثير جدا([3])، وهذه الأعمال في جملتها تجنح بالخيال جنوحا عظيما، حتَّى تصل في الغالب
إلى درجة عدم التصديق، فيحيلها العقل، ويمجُّها الذوق السليم، ولا يستفاد من
رؤيتها سوى تضييع الوقت والمال.
لذلك فإن تضييع المسلم أمواله وأوقاته في مشاهدة هذه
الأعمال لا يجوز؛ وذلك لاشتمالها على الآتي:
أولا: الغالب على هذه الأعمال أنها تقوم على المعتقد
الفاسد الذي يتنافى مع عقيدة الإسلام، ويدخل في التضليل والدجل، فيحرم كلُّ عملٍ
أسطوريٍّ أو خيـالي قائم على الخرافة، فقد جاء الإسلام بتحريم ذلك حماية لعقل
الإنسان، وتحريره من الأوهام والأباطيل ونحوه من معتقدات الجاهلية؛ ولذلك أبطل
النبيrما كانوا عليه من المعتقدات
الباطلة، فإنه لما مات ابنه إبراهيمtكسفت الشمس، فقال الناس: كسفت
الشمس لموت إبراهيم؛ بناء على اعتقادهم الفاسد في ذلك، فقام النبيrفصلى حتَّى انصرف
وقد تجلت الشمس، ثم قال مبطلا هذا الاعتقاد الفاسد: "إن الشمس والقمر آيتان
من آيات الله لا يخسفان لموت
أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله"([4])ويزداد التحريم في
هذه الأعمال التي تعنى بنصب الآلهة وتمثيلها، كما كان يفعل في المعابد الوثنية([5]).
ثانيا: أن المقصود من جواز تقديم الأعمال التَّمثيلية
للمشاهد هو إبراز قيمة تربوية أو هدف أو فكرة صالحة، أو تقديم نموذج للاقتداء به،
وبذلك تحصل الفائدة المنشودة من إباحة وتجويز التَّمثيل، وبتقديم هذا النوع من
الأعمال-الخيالية أو الأسطورية-لا يوجد أيٌّ من هذه الأهداف، فضلا عن اشتمالها على
مفاسد عظيمة، كإدخال الرعب والفزع، بل والغَمِّ والهمِّ على المشاهدين مما يقوي
القول بالمنع.
ثالثا: كون هذه الأعمال تدعو الصغار إلى بعض الممارسات
التي يرونها، من طيران وقفز من أعلى، أو تُخيِّل أن له أجنحة أو آذانا كبيرة،
ومحاولة تقليد تلك الأعمال، مما له أسوأ الأثر في تربية النشء بعيدين عن الواقعية،
وفي ذلك إفساد لعقلية المشاهِد.
رابعا: مشاهدة تلك الأعمال ما هو إلا تضييع وقت وإهدار
مال، وكلاهما مما يسأل عنه المرء يوم القيامة، فكان الواجب إشغال وقته وإنفاق ماله
فيما فيه فائدة.
ويستثنى من ذلك بعض أعمال الخيال العلمي الطبي، والذي
يتناول مشكلة طبية تحتاج إلى علاج، ويسعى الأطباء في وضع أدوية وعقاقير لعلاج ذلك
المرض، ويكون الطرح الفني لهذه الأعمال بشكل خياليٍّ إلى حدٍّ معقول،أو الخيال
العلمي التقني، فنحو ذلك قد يقال بجوازه حيث اشتمل على الفائدة؛ إعمالا لقاعدة
الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فمتى وجـدت الفائدة، وجُـرِّدت تلك الأعمال من
المُحرَّمات المصـاحبة لها فإن الأصل الإباحة، ولا بأس بمشاهدتها وإنتاجها.
والله الموفق
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 12/4/1428هـ