المواد / فتاوى منوعة / وجوب إخراج زكاة الفطر من غالب قوت البلد

وجوب إخراج زكاة الفطر من غالب قوت البلد

تاريخ النشر : 10 شوال 1445 هـ - الموافق م | المشاهدات : 2559
مشاركة هذه المادة ×
"وجوب إخراج زكاة الفطر من غالب قوت البلد"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

السلام عليكم ورحمة الله تقبل لله منا ومنكم الصيام والقيام وصالحالاعمال: أي الاصح أو الافضل في زكاة الفطرالمال أو كما ورد في بعض الاحاديث تخرج الفطرة مما تنتج البلاد من الارز والقموح والتمور؟

الحمد لله رب العالمين

الحق في هذه المسألة أن زكاة الفطريجب أن تكون من الطعام، وهو ما دلت عليها الأدلة، وهو أيضا المتواتر من عمل النبي صلى الله عليه وسلموأصحابه رضي الله عنهم أجمعين، والتابعينلهم، كما أنه هو الموافق لقواعد الشرع في هذا الباب، وبيان ذلك الآتي:

أما الأدلة من قوله وفعله صلىالله عليه وسلم:

فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:( فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاًمن تمر، أو صاعاً من شعير، على العبدوالحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين. وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ) متفق عليه.

كما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ( كنا نعطيها - يعني صدقة الفطر - في زمانالنبي صاعاً من طعام، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من الزبيب ).

وفي رواية للبخاري: ( وكان طعامَنا الشعيرُ والزبيبُوالأقط والتمر)

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله زكاة الفطر طهرةللصائم من اللغو والرفث، وطُعمة للمساكين ) رواه أبو داود والحاكموغيرهما.

كما أن الأفضل الاقتصار على هذه الأصناف المذكورة في الحديث مادامت موجودة، ويوجد من يقبلها ليقتات بهافيخرج أطيبها وأنفعها للفقراء، لما في البخاري أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يعطي التمر، وفي الموطأ عننافع: ( كان ابن عمر لا يخرج إلا التمر في زكاةالفطر إلا مرة واحد فإنه أخرج شعيراً - أعوز أهل المدينة من التمر - يعني: لم يوجد في المدينة - فأعطىشعيراً ).

وأما موافقة هذا الأمر لقواعدالشرع:

فلأن زكاة الفطر فيها معنى تعبديٌّمحضٌ، وهو موافقة تلك العبادة للعبادة التي كان العبد متلبسا بها في رمضان، فقد كان تاركا للطعامبالصوم في نهار رمضان، فناسب أن يشكر اللهَعلى إتمام النعمة عليه في آخر الشهر بتمامه، وكانت المناسبة ظاهرة في أن يخرج هذه الزكاة من الطعام الذيكان تاركا له بالصوم، فمعنى التنسُّك واضحفيها، وليس المراد بها النفع فحسب، كما ظن البعض، فإن من يقول بجواز إخراج القيمة غاب عنه المعنىالتعبدي المقصود للشارع، وجعل ينظر في مسألةالمصلحة، وهذا قصور في النظر.

ونظيره الأضحية، فإن فيها معنىتعبُديًّا محضًا، وهو التقرب إلى الله بإراقة الدم بالسليم الخالي من العيوب من بهيمة الأنعام، ومسألة النفعباللحم ونحوه، ليس هو المقصد الأول فيالأضحية، بدليل أنه لو أراد أن يضحي بشاة من أسمن ما يكون، لكنها عوراء لم تجزئه، بينما لو أتى بشاة سليمة منالعيوب، لكنها نحيلة، لأجزأته، مع أن الشاةالأولى أنفع للناس؛ لكثرة لحمها، لكن الشارع راعى أمرًا آخرَ في الأضحية، وهو إراقة الدم بالخالي منالعيوب، تقرُّبا إلى الله، وكان هذا أهم وأولىعند الشارع من مسألة نفع الناس باللحم.

فكذلك في زكاة الفطر المراد إظهارنعمة الله تعالى بالأكل والشرب في يوم العيد، الذي حرَّم الله صومه، إتماما لنعمة كمال الصوم، ويشترك فيهذه العبادة عموم المسلمين.

ومما يزيد في وضوح معنى التعبد فيزكاة الفطر أن الشارع جعلها مؤقتة، حتى قال صلى الله عليه وسلم: { فمن أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاةمقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات} رواه أبو داود وغيره.

ويزيده أيضا أن النبي صلى الله عليهوسلم نص على أطعمة معينة، وبين أنها شرعت طعمة للمساكين، مما يدل على أن الإطعامَ مقصود للشارع فيالمرتبة الأولى، فلا يجوز إهمال هذا المقصدبنظر سقيم.

ولذلك فإن معاوية رضي الله تعالىعنه لما قال لأهل الشام بنصف الصاع من البر عن الصاع من التمر، لجودة البر عندهم أنكر أبو سعيد الخدري رضيالله تعالى عنه ذلك، وقال: أما أنا فلا أزالأخرجها صاعاً كما كنت أخرجها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فكيف إذا أخرجها قيمة؟!

ثم أين الصحابة رضي الله عنهم من هذا الفهم، وفيهم قطعاالمحتاج إلى النقد، وفيهم المحتاج إلى الملابس،والنقد موجود أيضا وبكثرة، ولم يجتهد أحد منهم هذا الاجتهادَ الفذَّ؟! فالسبب موجود في عهد الصحابة رضيالله عنهم، ومع ذلك لم يسعَ أحدٌ منهم إلىذلك، مما يدل على أن هذا الموضع ليس من مواضع الاجتهاد عندهم، والخير كل الخير في اتباعهم.

ولما كان الواجب على المسلمين فيأمور العبادة الوقوف على مورد النصوص، كان لزاما عليهم التزامُ ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلموأصحابه رضي الله عنهم في هذا الباب،والاقتصار عليه، وعدم تقديم العقل على النقل، وإخراج زكاة الفطر من الطعام.

وعليه فإن إخراج زكاة الفطر نقداًلا يصح، ولا يجوز؛ بل هو داخل تحت عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهورد" أخرجه مسلم.

وليعلم أن المراد بالطعام ما كانقوتا لأهل البلد أو غلب عليه كونه قوتا، فيجوز إخراج ما اعتاده الناس من الأرز أو العدس أو القمح، أوالمكرونة ونحوه، ولو كان غالب طعامهم اللحم أوالسمك فقط أجزأ إخراجها منه، ما مقدارُه صاعٌ من الجميع، وهو يعدل قرابة (2.5كجم) عن كل فردٍ ممن تلزمالشخصَ نفقتُه، والله الموفق.

كتبه: د.محمد بن موسى الدالي

 

 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف