د.الدالي: يحرم دفع الأجرة للمطرب ونحوه.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإنه لا يخفى على أحد انتشار الفن وأهله من مغنين ومطربين وعازفين وراقصين .. إلخ، كما لا يخفى تهافت الناس عليهم، وعلى هذا المجال كله، وعلى شراء منتجاتهم ودفع الأجرة لهم في أعراسهم واحتفالاتهم، ومع كون أخذ الأجرة على المنفعة المحرمة، كالغناء والرقص والعزف محرما باتفاق أهل العلم ، إلا أنه مازال كثير من الناس متعجبا من هذا القول، مستغربا إياه، وكأنه قول شاذ نادر، بالرغم من اشتهاره بين فقهاء المذاهب، وبيانا لهذا الأمر أقول:
اتفق الفقهاء على تحريم أخذ الأجرة على العمل المُحرَّم من غناء ورقص وتأجير معازف وطبول ونحوه، وقد حكاه ابن المنذر إجماعا. الإجماع لابن المنذر(61).
وهذه أقوال الفقهاء في ذلك:
قال صاحب الهداية: "ولا يجوز الاستئجار على الغناء والنوح وكذا سائر الملاهي؛ لأنه استئجار على المعصية، والمعصية لا تستحق بالعقد، ولو استحق عليه للمعصية لكان ذلك مضافا إلى الشرع، حيث شرع الله عقدا موجبا للمعصية، تعالى الله عن ذلك".الهداية شرح البداية 3/240، وانظر:لسان الحكام (366)0
وفي جواهر العقود: "واستئجار آلات اللهو كالطنبور والمزمار والرباب ونحوها حرام بذل الأجرة في مقابلها، ويحرم أخذ الأجرة عليها؛ لأنها من قبيل أكل أموال الناس بالباطل، وكذلك لا يجوز استئجار المغاني".جواهر العقود1/210 0
وفي البحر الرائق: "الإجارة على الغناء والنوح لا تجوز؛ لأن المعصية لا يتصور استحقاقها بالعقد فلا يجب عليه الأجـر من غير أن يستحق عليه؛ لأن المبادلة لا تكون إلا عند الاستحقاق، وإن إعطاه الأجر وقبضه لا يحل له". البحر الرائق 8/23 0
قال شيخ الإسلام: "وآلات الملاهي لا يجوز اتخاذها ولا الاستئجار عليها عند الأئمة الأربعة، ثم نقل الإجماع على إبطال إجارة النائحة والمغنية مع كونه جائزا للنساء في العرس والفرح، بل وقرَّر رحمه الله أنه ليس كل ما جاز فِعْلُه جاز إعطاءُ العوضِ عليه، فهذا الغناء مع كونه يجوز في بعض الأحوال كما جاز في العرس للنساء، ومع ذلك فقد حكي الاتفاق على عدم جواز أخذ الأجرة عليه".مجموع الفتاوى 30/215، وانظر: مختصر الفتاوي المصرية (388)0
فما كان مُحرَّما من أصله ولم يبح أبدا أولى بعـدم جواز أخذ الأجرة عليه.
وعلل صاحب المبدع المنع فقال: "لأن المنفعة المُحرَّمة مطلوبٌ عدمُها، وصحة الإجارة تنافيها إذ المنفعة المُحرَّمة لا تقابل بعوض في البيع، فكذا في الإجارة". المبدع 5/74، وانظر في تحريم ذلك: الشرح الكبير4/21،ومواهب الجليل5/424،وروضة الطالبين5/194،ومغني المحتاج2/337، وكشاف القناع3/559، ومطالب أولي النهى4/215، وتفسير القرطبي1/337، وشرح النووي على مسلم10/231 0
وقد رُوِي كراهة أجر المغنية والنائحة عن جمع من السلف، منهم الحسن والشعبي وإبراهيم النخعي . انظر: مصنف ابن أبي شيبة 4/464 0
ويستدل لذلك بالآتي:
أولا: قوله تعالى: ] وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ[(البقرة-188)0
وجه الاستدلال: أن الآية حرمت أكل المال بالباطل، ولا شك أن دفع المال في أجرة المنفعة المُحرَّمة من أكل المال بالباطل الذي نهي عنه0
ثانيا: قوله تعالى: ] وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [(المائدة-2) والاشتراك في هذه الأعمال من التعاون على الإثم والعدوان، وهو مُحرَّم موجِبٌ لعقوبة الله، قال الجصاص: "نهى عن معاونة غيرنا على معاصي الله تعالى". أحكام القُرْآن للجصاص 3/296 0
ومازال العلماء يستدلون بهذه الآية على تحريم إجارة المغنية والنائحة أو بيع العصير لمن يتخذه خمرا أو بيع السـلاح في الفتنة، أو تأجير البيت لمن يتخذه بيـعة أو كنيسة أو
خمارة ونحوه، أو بيع الحرير لمن يلبسه ممن يحرم عليه، أو أعان مُحْرِما أو حلالا على صيد. انظر: البحر الرائق 8/230، وبدائع الصنائع 2/203، فتح الباري 4/323، المغني 4/154، المبدع 4/42، تفسير القرطبي 13/264، إعلام الموقعين 2/387، الموافقات 3/190، 191، الطرق الحكمية (359) 0
ثالثا: عن أبي مسعود الأنصاريtقال: "نهى رسول اللهrعن ثمن الكلب، ومهر
البغي، وحلوان الكاهن" 0 أخرجه البخاري (2237)، ومسلم (1567)0
وجه الاستدلال: أن ما كان معصية فأجره خبيث مُحرَّم حيث خبث طريقه، كالغناء والنوح ونحوهما.
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 4/5/1427هـ