الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن الله تعالى امتن على هذه الأمة بدينه القويم الكريم، الإسلام، واختص حملته بخصائص كريمة، فكان من خصائص أمة الإسلام تحريم تعدي بعضهم على بعض، أو على غيرهم بالغش أو الكذب والبهتان، أو أكل المال بالباطل، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29]، وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسل مرّ على صُبْرَة طعام، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: ( ما هذا يا صاحب الطعام؟) قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: ( أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غشّ فليس مني) رواه مسلم .
وفي رواية: (من غشنا فليس منا) .
وفي الحديث: ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما مُحقت بركة بيعهما ) متفق عليه.
فلا يغش المسلم، ولا يأكل المال بالباطل، ولا يتعدى على حق غيره، بل يتحرى الحلال، ويسعى في ذلك أشد السعي، ويحتاط لنفسه، فيتورع عن أكله.
فكان من المؤسف أن نرى سلوكيات بين الباعة -على وجه الخصوص- أو العمال أو أصحاب الحرف والمهن، أو الموظفين، ترى سلوكيات لا تمتُّ للإسلام بصلة!!
فهذا الموظف الذي لا يكاد يؤدي عمله، أو يلتزم بنصف وقت عمله ودوامه، معللا: "على أَدْ فلوسهم"!!
وهذا المِهَنيُّ (صنايعيٌ ونحوه)، الذي يطالب بأجرته كاملة، لا تنقص شيئا، أما ما يقدمه من عمل لهذه الأجرة، فلا يكاد يصل جزءًا من المتفق عليه، ويسعى في إنهائه سريعا، وبأي شكل، فقط؛ لينهي عملا آخر!!
وترى بائع الفاكهة والخضار ونحوه يبيعها، فيخفي الفاسد منها، وإن سئل عن ذلك أجابك: يعني آكلها أنا؟! مع أنه لو جعل الرديء بسعر، والصحيح بسعر أعلى، لحُلَّت المشكلة بطريق شرعي صحيح.
وترى الجزار، يبيع اللحم أو الكبد، ثم يخلطه بغيره، من طحال ونحوه، ويعلل ذلك بأنه يجب أن تشيل بعضها!! وماذنب الزبون يأكل ما لا يريد، ولا يحب؟!! ويقال له ما قيل في بائع الفاكهة: بِعْ هذا بثمن، وهذا بثمن، وتحلل من الحرام والغش.
وفي هذين الصنفين: الجزار وبائع الفاكهة والخضروات، أكثر ما يكون من هذا السلوك!!
فعلى المسلم بكل حال أن يتقي الله تعالى في ماله، ولا يأكله بالباطل، والتعدي على أموال الآخرين، ولا يرضى لغيره من المسلمين أو غيرهم إلا ما يرضاه لنفسه منهم، فكما أنه يطالب بحقه من المال كاملا، عليه أن يدفع ما وجب عليه من الحق كاملا، سواء في وظيفة، أم سلعة يبيعها، أم عمل وصنعة يقدمها، أم غيره.
والله ولي التوفيق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 17/4/1443هـ