مخالفة شرعية وغلوٌّ صريح في قولهم:
"اللهم صلِّ على محمد صلى الله عليه وسلم، صلاةً تنحل بها العقد، وتنفرج بها الكرب، وتقضى بها الحاجات!!"
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن حب وتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلُّ أصول الدين، بعد التوحيد الخالص لله تعالى، ويتحقق هذا باتباع سنته صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، فهذا هو المعيار الحقيقي لحب النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن تعظيم دينه وسنته عدمُ الغلو فيه، وإنزاله في غير منزلته، وعدم الحلف به، فقد نهى عن ذلك كله صلى الله عليه وسلم؛ صيانة لباب التوحيد الخالص لله تعالى.
فمن كان معظما محبًّا له صلى الله عليه وسلم، فليزم دينه وشرعه وسنته، دون غلو أو إفراط أو مدح زائد فيه صلى الله عليه وسلم.
ومن الغلو أن يعتقد أو يقال: إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم -على علو منزلتها في الإسلام- تنحل بها العقد، وتنفرج بها الكرب، وتقضى بها الحوائج!!
فأين في شرع الله تعالى، كتابًا وسنةً، مصداقُ هذا الكلامِ، فوالله لا تنحل العقد، ولا تنفرج الكرب، ولا تقضى الحوائج، إلا بيد الله تعالى، ونِسْبة هذا لغير الله تعالى، ولو كان محمدا صلى الله عليه وسلم، أو الصلاة عليه، تعدٍّ وتجاوز لحدود الله تعالى.
ومن قال: إننا ننوي أن يقع هذا الفضل والخير بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لكن بأمر الله تعالى!!
فهذا مخادع، فما الذي يمنعه أن يقول: اللهم حلَّ عُقَدَنا، وفرِّجْ كَرْبَنا، واقضِ حوائجَنا؟!ولم تلك الوسائط بين يدي دعائك؟!إ لا الغلو المحرم، والله المستعان.
أخي المسلم، من أجل أن تكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم موجِبة ًلتلك النتائج: "حل العقد، وتفريج الكروب، وقضاء الحوائج"، لابد من ثبوت ذلك بدليل من الشرع، وليس من العقل، ولا الذوق والوَجْد والحب الكاذب، والله المستعان.
نعم ثبت بحديث أبي بن كعب رضي الله عنه -وفي إسناده ضعف، لكن حسنه البعض- ثبت أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يغفر بها الذنوب، ويكفى بها الهموم، فهذا إن صح سنده، كان دليلا على المذكور فقط، من مغفرة الذنوب، وكفاية الهم والغم، فلا نتجاوزه إلى إثبات فضائل أخرى، ليس عليها دليل، ولا يفيدُها هذا الحديث.
فالهَمُّ الذي يُكفاه العبدُ، هو ما يصيبه من الحزن والغم والكرب، وهذا مُشاهَد، وهو من جنس إزالة الهم والكرب بالاستغفار والذكر وتلاوة القرآن، وليس الهَمُّ في الحديث هو الحاجات والكربات التي تصيب العبد، ولا العُقَد التي تنزل به، إنما هو ما يصيب الصدرَ من حزنٍ وغمٍّ وكرب ونحوهه، فمَنْ أكْثَرَ من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كشف الله همه، وأزاله من صدره.
وكذلك يغفر الله بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، الذنب، فهذا مقام ثبت بالسنة.
وليس هو مقامَ تفريجِ الكروب، وقضاءِ الحوائج، وحلِّ القعد، فهذا مقام آخر، يحصل بالدعاء والاعتصام بالله تعالى وحده، والاستغاثة والاستعانة به، والانطراح ببابه تعالى في جوف الليل، وغيره، من أوقات إجابة الدعاء.
ولم يثبت الله تعالى هذا الأمر لأحد، لا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا غيره، فمن أثبته فعليه الدليل الواضح، سيما ما يتعلق بشأن التوحيد، فالأمرُ فيه خطيرٌ، ومن أجْلِهِ، ومن أجلِ صيانتِهِ قامت الشريعة كلها، فلا يتساهل العبد في هذا الباب، ويثبت ما يجب لله تعالى، لغير الله تعالى؛ زعمًا أنه يحب رسولَ الله صلى الله عليه، فلو أحبه حق المحبة، لا تبعه، وَلَصَان التوحيدَ اتباعًا له صلى الله عليه وسلم.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
ليلة الاثنين، الثاني من رمضان، لعام ثلاث وأربعين وأربعمائة وألف، من الهجرة المباركة.