ما هو حدُّ الساحرِ،
ومن الذي يتولَّى تطبيقَه؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
قبل الشروع في بيان حد الساحر وعقوبته يجب
أن يعلم أن السحر قسمان: فمنه ما هو كفر، كما صرح الله تعالى به في كتابه العزيز،
وذلك كما لو كان يعتقد في الأرواح الأرضية، أو الكواكب السبعة، وأنها متصرفة في
العالم، أو يستعين بالجن والتقرب إليها بالأوراد الكفرية، ونحوه، مما هو شرك محض،
واستعانة بغير الله، واعتقاد قدرة التصرف في الكون لغير الله، ونسبة
الكائنات والمقادير إلى غير الله، ففاعل هذا كافر بلا نزاع ، وهو
قول جمهور الفقهاء من الأئمة الأربعة
وغيرهم، وقد استدلوا لذك بقوله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ
كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102]، ولقوله على لسان المَلَكين
: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ } [البقرة: 102]، وإذا كان مجرد تعلمه
كفرا، فالعمل به أعظم، وأشد كفرا.
أما إن
كان السحر مجرد خداع ، وخفة يدٍ، وأخذاً بالعيون، أو كان استعانة بخواصِّ بعض الأشياء
من دهانات وكيماويات ونحوه، فهذا لا شك في تحريمه، لكن لا يصل لحد الكفر.
أما
عقوبة الساحر، فجمهور أهل العلم على أن الساحر يقتل إن كان يكفر بسحره، بل إنهم
يرون أنه يقتل ردةً ، ولا يستتاب، ولا تقبل توبته؛ لأن السحر معنى في قلبه لا يزول بالتوبة ، واستدلوا
لذلك بكونه مرويا عن جمع كبير من الصحابة رضي الله عنهم، فقد جاء
عن عمر رضي الله عنه أنه كتب كتاباً قبل موته بسَنَة : " أن اقتلوا
كل ساحر وساحرة " . قال الراوي: فقتلنا ثلاث سواحر في يوم . رواه أحمد
وأبو داود .
كما ثبت ذلك عن عثمان وابن عمر وأبي موسى
وقيس بن سعد وحفصة بنت عمر بن الخطاب وجندب بن عبدالله ، وجندب بن كعب رضي الله عنهم، ومن التابعين عدد كبير،
منهم عمر بن عبد العزيز وسالم بن عبد الله رحمهم الله وغيرهما.
قال شيخ
الإسلام ابن تيمية: "إجماع الأمة بل أكثر العلماء على أن الساحر كافر ، يجب قتله
.. فقال
بعض العلماء : لأجل الكفر .. وقال بعضهم : لأجل الفساد في الأرض . .لكن الجمهور يرون قتله حدًّا" . مجموع الفتاوى بتصرف 28 / 346 ، 29 / 384.
قال أبو
بكر الجصاص : "قال الإمام أبو حنيفة : الساحر يقتل إذا علم أنه ساحر ولا يستتاب،
ولا يقبل قوله: إني أترك السحر وأتوب منه ، فإذا أقر أنه ساحر فقد حل دمه ". تفسير آيات الأحكام ? 1 / 85 .
وقال الحافظ
بن حجر: " قال الإمام مالك : الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب ، بل يتحتم قتله
كالزنديق، فلا تقبل توبته ويقتل حدًّا إذا ثبت عليه ذلك ". فتح الباري 10 / 136 .
أما من
يتولى إقامة الحد، فهو الحاكم، أو الجهة التي يخولها في ذلك، ولا يجوز لأحد من
أفراد الرعية إقامة هذا الحد، لما فيه من الافتيات على الحاكم، وإشاعة الفوضى
والفساد وعدم استقرار الأمن في البلاد.
قال
القرطبي : "لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمُه إلا أولو
الأمر الذين فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود " التفسير 2 / 245
، 246 .
وقال
شيخ الإسلام في امرأة فجرت: "ولا يجوز لهم إقامة الحد عليها بقتلٍ ولا غيره ،
وعليهم الإثم في ذلك". مجموع الفتاوى 34 / 177 ، 178 .
وقال
ابن رشد: "وأما من يقيم هذا الحد فاتفقوا على أن
الإمام يقيمه، وكذلك الأمر في سائر الحدود".بداية المجتهد2 / 233 .
كما
جاء في فتوى اللجنة الدائمة: "والذي يتولى إثبات السحر وتلك العقوبة : هو
الحاكم المتولي شؤون المسلمين ؛ درءاً للمفسدة ؛ وسداً لباب الفوضى ". فتاوى
اللجنة الدائمة 1 / 552 .
والله الموفق
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 7/7/1430هـ