سماعُ الميتِ كلامَ الزَّائرين له
هل يسمع الميتُ كلامَ الزَّائِرين له ؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
مسألة سماع الموتى للأحياء من المسائل العظام،
التي تكلم فيها العلماء وأطالوا بحثها، وقد وقع فيها النزاع بين من يثبته ومن
ينفيه، ومن أشهر ما استدل به القائلون بثبوته: ما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: ( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ
، إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ)، كما خاطب النبي صلى الله عليه وسلم قتلى
بدر من المشركين بعد أن تركهم ثلاثة أيام،
فقيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَسْمَعُوا، وَأَنَّى يُجِيبُوا، وَقَدْ جَيَّفُوا؟
قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ. متفق عليه، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بالسلام
على أهل القبور فيقول : (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّا
إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ) متفق عليه. ولا يخاطَبُ إلا من يسمع، وإلا
كان عبثا ولغوا، والشريعةُ تنزه عن ذلك، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من رجلٍ يمرُّ على قبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم
عليه إلا عرفه ورد عليه السلام) وهو حديث ضعيف، وقد سئل شيخ الإسلام هل الميِّتُ يسمع
كلام زائره ؟ فأجاب: "نعم يسمع في الجملة".
وأما من نفاه، فقد استدلوا لذلك بقوله تعالى: {إِنَّكَ
لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [ النمل:80]، وقوله تعالى:{وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي
الْقُبُورِ } [فاطر:22]، فهذا ينفي السماع عن الموتى، إلا ما قام عليه الدليل.
والأرجح في هذه المسألة: أن الموتى لا يسمعون
الأحياء وكلامهم، وأحاديثهم في مجالسهم، ونحوه، فهذا لم يقم عليه الدليل، لكن يثبت
لهم من السماع ما صح به الدليل؛ جمعا بين النصوص المانعة من ذلك مطلقا، وبين ما يثبته
مطلقا؛ وأن الأحاديث الواردة في هذا الباب على أوجه: فمنها ما هو من خصوصيَّات
النبيِّ صلى الله عليه وسلم، كحديث قتلى بدر، ومنها ما يدلُّ على سماعِهم في وقتٍ
دون وقتٍ، كحديث سماع الميت لقرع النعال، ومنها ما لا يدلُّ على السماعِ أصلا،
كحديث السَّلام على الموتى، ومنها ما هو موقوف، ومنها ما هو ضعيف، وهذا السماع
الثابت ليس سماعَ انتفاعٍ وحصول أجر؛ فالميِّت وإن سمع الكلام وَفَقِهَ معناه جيدا
فإنه لا يُمكنه إجابة الداعي، ولا امتثال ما أُمر به ونُهي عنه، بل ربما يتحسَّر
على ما فاته من تقصير.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 6/7/1430هـ