المواد / المقالات / حكـم طـلاق الهـازل

حكـم طـلاق الهـازل

تاريخ النشر : 23 جمادى أول 1446 هـ - الموافق م | المشاهدات : 985
مشاركة هذه المادة ×
"حكـم طـلاق الهـازل"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

حكـم طـلاق الهـازل

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد

فقد تقرر أن القول الرَّاجح في نكاح الهازل أنه يقع، وهو الرَّاجح أيضا في طلاق الهازل،وقد حكى بعضهم الإجماع على ذلك، فقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن جِدَّ الطلاق وهزله سواء([1]) .

وقال القاضي: اتفق أهل العلم على أن طـلاق الهـازل يقع، فإذا جرى صريح لفظ الطلاق على لسان العاقل البالغ، لا ينفعه أن يقول: كنت فيه لاعبا أو هازلا([2]).

إلا أن هذا الإجماع لا يسلم إذا ما صحت الروايات عن الإمام  مالك([3])، وأحمد([4])، وطائفة من أصحابهم([5])، فمع ورود ذلك عنهم تندفع دعوى الإجماع.

وفي هذا المقام ينبغي أن يعلم أن الطلاق أمره أعظم، ومن ثمَّ فالخلاف فيه أخفُّ من الخلاف في نكاح الهازل، ولذلك جاءت فيه دعوى الإجماع، وهذا مما يؤكد كون الخلاف هنا أيسر من اختلافهم في نكاح الهازل، وإنما ألزموا الهازل بطلاقه قضاء وديانة تغليظا عليه وتشديدا وتنكيلا به؛ إذ أتى بهذا اللفظ الذي قلَّ من يعرف معناه ومقتضاه، ومع ذلك وجد من يتساهل في أمره، فكان من الحكمة إلزامه به، وقد يستأنس لذلك بقول عمر بن الخطابtفيمن طلَّق امرأته ثلاثا في مجلس واحد: "أرى الناس قـد تتايعوا في أمر كان لهم فيه أَنَاة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم"([6])، فهذا يدلُّ على أنه من الحكمة والسياسة الشرعية إلزام المطلق بما التزم به من حَلِّ عقد النكاح، ولو كان على وجه الهزل واللعب.

فإن قيل: إن الشَّخْص المتلاعب الهازل ينبغي تعزيره وتنكيله وإلزامه بمقتضى عقده، لكن ما شأن الأسرة في ذلك، ولا ذنب لهم، وما يترتب على إلزامه بالطلاق من الشرور والآثام أعظم وأكثر مفسدة من مفسدة عدم إلزامه؛ سيما وأن القصد لموضوع الطلاق معدوم حقيقة في الهازل؟

فالجواب: أن يقال: وكيف في المطلِّق الجادِّ إذا كان لا يُقِدِّر أسرته، وما قد يلحقهم من تطليقه لزوجته؟! وما ذنبهم في كون هذا الرجل ليس مدركا لحقيقة ما يجب عليه من الحفاظ على أسرته؟! فهل هذه الاعتبارات ترفع عن الجاد بالطلاق طلاقه فلا يلزم به؟!

فالشرع حينما قضى بذلك يعلم يقينا أن المطلق سواء كان جادا أو هازلا سيترتب على طلاقه إلحاق الضرر والخسران بأسرته، ومع ذلك جاءت الشريعة بإيقاع طلاقه مما يدلُّ على أن هذه الأمور-وإن كانت موضع اهتمام-إلا أن الشرع لم يجعلها عذرا للمطلِّق في عدم إلزامه بطلاقه، بل جاء في سياسة الفاروق عمرtإلزام المطلِّق ثلاثا بالثلاث مع ما يترتب على ذلك من تفكك الأسرة، وعدم حل المرأة لزوجها الأول إلا بتزوجها برجل آخر، وكل هذا قد لا يكون فلا تعود لزوجها الأول مطلقا .

فنظر الشارع في هذا الباب هو نوع تعزير ونكال يلحقه بالزوج في سبيل إبقائه ومحافظته على أسرته، بل لو علم الزوج أنه لن يُلزم بطلاقه لتلاعَبَ بالمرأة كما كان الشأن في الجاهلية، يطلق ويراجع، ويطلق ويراجع، إلى أن جاء الإسلام وسدَّ هذا الباب؛ حفظا وصيانة للمرأة .

فالمصلحة في إيقاع طلاق الهازل، أو المطلق ثلاثا، أو المطلق مطلقا أعظم مصلحة من مصلحة عدم إلزامه به، حيث كان عدم إلزامه مفضيا إلى شرور أعظم ومفاسد أكثر، ومن تأمل الشرع وجد أن إلزام المطلق الهازل بطلاقه من أقرب الطرق لإصلاح الخلق في هذا الباب، سيما وقد تبين أن في الطلاق والنكاح حقوقا لله، وإذا كان الأمر كذلك فليس للعبد أن يهزل فيما يتعلق بجانب الربوبية.

فإذا قيل: إن النكاح بني على عقد متين، فلا ينقض إلا بما يدلُّ عليه .

فالجواب: أن النكاح بني على عقد متين، وهو كلمة النكاح التي شرعها الله لعباده، وبه أباح المرأة للرجل، وكذلك فإن الشرع هو الذي أوجب رفع هذا العقد إذا ما وجدت الكلمة الدالة على رفعه، وهي كلمة الطلاق، فإذا ما وجدت ارتفع العقد، فكما أنه وجد بموجب كلمة النكاح، فإنه يرتفع بكلمة الطلاق.

والله الموفق

كتبه: د.محمد بن موسى الدالي

في27/4/1429هـ

([1] )  الإجماع (44) 0

([2] )  تحفة الأحوذي 4/304 0

([3] )  أحكام القُرْآن لابن العربي1/271، وإعلام الموقعين3/124 0

([4] )  طلاق الغضبان(60)0

([5] )  مصدر سابق0

([6] )  أخرجه مسلم في الطلاق/باب طلاق الثلاث(1742)عن ابن عباس رضي الله عنهما0

 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف