ما حكم المسابقات
التي تكون بالاتصال عبر القنوات الفضائية والهاتف؟.
وفقكم الله ونفع
بكم
الحمد لله رب العالمين،
ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإنه -وللأسف الشديد-
أصبح كثير من المسلمين يخالط المحرمات، بل الكبائرَ من المحرمات دون أن يشعر، وقد انتشر
وبصورة كبيرة المسابقاتُ عبر الهاتف أو رسائل الجوال أو القنوات الفضائية، وهي الأكثر،
انتشرت تلك المسابقات، والتي هي من أبرز صور الميسر المعاصرة، وصورتها أن تطرح إحدى
الجهات أسئلةً، عبر التلفزيون أو الهاتف، ويقوم الشخص بالاتصال عليهم بمقابل، قد يكون
قليلا أو كثيرا، أو بالسعر المعتاد، ليقوم بالجواب على تلك الأسئلة، والتي غالبا ما
تكون في غاية اليسر، لتكثير عدد المتصلين طبعا، فإن حالفه الحظ ?وهذا قليل جدا- كان
هو الفائز، وأخذ الجائرة، وإن خالفه الحظ، خسر قيمة المكالمة، مع العلم أن الأعداد
المتصلة مهولة جدا، بينما الفائزون عدد قليل للغاية، فيجنون من وراء تلك الاتصالات
أموالا طائلة.
وهذه معاملةُ ميسرٍ
لا شك، فالذي يتصل مادام سيتكلف ولو شيئا يسيرا، فهو داخل في عقد ميسر، إما أن يكون
غارما فيه ما دفعه، القليل أو الكثير، وإما أن يكون رابحا فيه أضعافَ أضعاف ما دفع،
والتي قد تكون سيارة ونحوه في بعض الأحيان، وهذا هو حَدُّ الميسرِ المحرم.
وقد ضيَّقت الشريعة
الإسلامية باب المسابقات بعِوَضٍ جدًّا، وحصرته فيما يعين على الجهاد فحسب، فعند أحمد
وأصحاب السنن بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لا سَبَق إلا في ثلاث: نصلٍ أو خفٍّ أو حافرٍ) والسَّبَق بفتح الباء، هو ما يدفع عِوضا
في المراهنات، أي: لا يجوز إجراء المسابقة التي فيها عِوض إلا في هذه الثلاثة فحسب،
وكما ترى هذه الثلاثة إنما جاز دخول العِوض فيها لتضاؤل مفسدة الميسر في مصلحة الجهاد،
على اختلاف بإلحاق المسابقات العلمية الشرعية بها أو لا؟
فمنعها الجمهور
عملا بالحديث، وأباحها الحنفية وشيخ الإسلام إمضاءً لمعنى النَّص، وهو الأرجح، فلا
شك أن الإسلام كما ينتشر بالسيف، ينتشر بالقلم.
فكيف بهذه المسابقات
التي تُقدَّم عبر القنوات أو الهاتف، والتي غالبها في أمور محرمة، كالسؤال عن اسم الممثل
أو المغني ونحوه؟! فهذا فوق كونه ميسرا أيضا تعاونٌ على الإثم والعدوان، أو السؤال
عمَّا لا قيمة له، كاسم اللاعب، أو صورةُ مَنْ؟ ونحوه.
أما الأسئلة في
المباحات، كاسم بلدة كذا، ومخترع كذا، فلا بأس به بشرط خُلوِّه عن العِوض، أما بالعِوض
فلا يجوز إلا ما نصَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه
وسلم ضيَّق هذا الباب، فقال: (لا سَبَق إلا في ثلاث ..) وهذا يعني تحريمه في سوى هذه
الثلاث.
ولا بأس في الأسئلة
الشرعية إن عُلم حسن قصد الجهة، أما إن كان قصدُهم العوضَ دون نفع المسلمين، فهي داخلة
في الميسر أيضا، كأن تكون الأسئلة ميسورة جدا، مثل: من هم الخلفاء الأربعة؟ ما لقب
عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟ ونحوه، مما يعرفه كلُّ أحدٍ، ولا يحتاج إلى بحث وعمل،
فهذه الجهة لم تقصد نفع المسلمين، إنما قصدت جلب الأموال الطائلة من وراء الاتصالات،
فالعوض هو المقصود في هذه الصورة، لذا يحرم.
والله الموفق.
كتبه: د.محمد بن
موسى الدالي
في 4/8/ 1432هـ