د.الدالي: تحريم الحلف بالكفر محل اتفاق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإننا نسمع كثيرا من الناس يقول في حلفه: هو يهودي إن لم يفعل كذا، أو نصراني إن فعل كذا، أو هو كافر إن فعل كذا، وقد كثرت هذه العبارات على ألسنة الناس، وما فعلوه إلا جهلا منهم بعظم اليمين، ووجوب حفظه، على أنه يجب الكشف عن حكم هذه المقالة، فأقول:
اتفق أهل العلم على أن الحلف بالكفر، كقوله: هو يهودي إن فعل كذا، أو نصراني إن فعل كذا، اتفقوا على أن هذا حرام ومعصية لله تعالى.بدائع الصنائع 3/8، والشرح الكبير2/128، وشرح الزرقاني3/84، والحاوي الكبير15/263، والإنصاف11/31، وشرح منتهى الإرادات3/446ط/عالم الكتب، وعون المعبود9/54، ونيل الأوطار9/130 0
وساقوا في الاستدلال على ذلك الآتي: -
أولا: عن ثابت بن الضحاكtقال: قال رسولr: "من حلف بملة غير الإسلام فهو كما قال " . أخرجه البخاري (1364)، ومسلم (110).
ثانيا: عن بريدة عن أبيهtقال: قال رسول اللهr: "من حلف فقال: إني برئ من الإسلام، فإن كان كاذبا فهو كما قـال، وإن كان صادقا فلن يرجع إلى الإسلام سالما". أخرجه أحمد5/355، وأبو داود (3258)، والنسائي (3712)وابن ماجه (2100)، والحاكم في المستدرك4/331، والبيهقي10/30، قال الحاكم:صحيح على شرط الشيخين، وصححه الألباني كما في صحيح الترغيب والترهيب3/77 0
ونقل شيخ الإسلام عن أكثر أهل العلم إذا قال: "هو يهودي أو نصراني إن لم يفعل كذا، فهي يمين بمنزلة قوله: والله لأفعلن؛ لأنه ربط عدم الفعل بكفره، الذي هو براءته من الله، فيكون قد ربط الفعل بإيمانه بالله، وهذا هو حقيقة الحلف بالله، فاليمين بالله عقد لها بإيمانه بالله، وهو ما في قلبه من جلال الله وإكـرامه وتعظيمه وعبادته وتمجيـده، وحُكْمُ الإيمان والكفر إنما يعود إلى ما كسبه قلبه من ذلك". مجموع الفتاوى 35/274وما بعدها.
وإذا ظهر أن موجب لفظ اليمين انعقاد الفعل بهذا اليمين الذي هو إيمانه بالله، فإذا عُدِم الفعل كان مقتضى لفظه عدمَ إيمانِهِ لولا ما شرع الله من الكفارة، ويوضح ذلك قولهr: "من حلف بغير ملة الإسلام فهو كما قال" فجعل اليمين في قوله: هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا، كالغموس في قوله: والله ما فعلت كذا؛ إذ هو في كلا الأمرين قد قطع عهده من الله حيث علَّق الإيمانَ بأمرٍ معدومٍ، والكفر بأمرٍ موجودٍ. مجموع الفتاوى 35/276وما بعدها .
بناء على ما تقدم فإن هذه الصيغة مُحرَّمة لا يجوز التلفظ بها، وهي وإن لم توجب كفر القائل، فلا يعني جوازها إذ هي بالاتفاق معصية، فلا يجوز للمسلم أن يتلفظ بها، لكن يقسم القسم المشروع، باسم من أسماء الله، أو صفة من صفاته، وتكون على أمر يمكنه فعله، ثم هي يمين ملزمة للكفارة، كما هو مذهب الحنفية والحنابلة، واختاره شــيخ الإسلام ، فيجب على من أقسم بها أن يبر بيمينه، أو يحنث ويكفر.
والله الموفق.
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 14/4/1426هـ