المواد / المقالات / موقف الشرع من إيواء المجرم

موقف الشرع من إيواء المجرم

تاريخ النشر : 25 جمادى أول 1446 هـ - الموافق م | المشاهدات : 1163
مشاركة هذه المادة ×
"موقف الشرع من إيواء المجرم"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

د.الدالي: موقف الشرع من إيواء المجرم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فإن من فضل الله على عباده المسلمين أنْ منَّ عليهم بهذه الشريعة الغراء، والتي لم تترك شيئا يحقق الأمن والعدالة، ويدفع الشر والآثام إلا جاءت به، فكان من جملة ما يحفظ الأمن في البلاد أن جاءت الشريعة بتحريم إيواء فاعل الجريمة، والرضى بعمله، وإقراره، والتعاون معه.

فقد أخرج مسلم عن أَبِي الطُّفَيْلِ رحمه الله قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: أَخَصَّكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ؟ فَقَالَ: مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ كَافَّةً، إِلَّا مَا كَانَ فِي قِرَابِ سَيْفِي هَذَا، قَالَ: فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مَكْتُوبًا فِيهَا: ( لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الْأَرْضِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا ).

وعنه رضي الله عنه قَالَ: ( مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ، وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ ). أخرجه البخاري (1737)، ومسلم (2433).

والحَدَث: يطلق ويراد به الأمرُ الحادِث المُنكَر الذي ليس بمُعْتاد، ولا معروف في السُّنَّة.

ويطلق ويراد به كلُّ حدٍّ لله تعالى يجب أن يقام على صاحبه، وكلا المعنيين مراد للشارع. غريب الحديث لابن سلام 3 / 168، وغريب الحديث لأبي عبيد 3 / 168، وشرح النووي على مسلم 9 / 140، ومشارق الأنوار على صحاح الآثار 1 / 356.

قال ابن الأثير في قوله: "من آوى محدِثا": أي: مَن نَصَر جانِياً، أو آواه وأجارَه مِن خَصْمه، وحال بينَه وبين أن يَقْتَصَّ منه. النهاية في غريب الأثر 1 / 907، وعمدة القاري 10 / 229.

ومن ذلك حديث بني قُرَيْظة: ( لم يَقتُل من نسائهم إلا امرأةً واحدةً كانت أحْدَثَتْ حَدَثا ). ذكره في النهاية في غريب الأثر 1 / 907.

وقد قيل: حَدَثُها أنَّها سَمَّتِ النبي صلى اللّه عليه وسلم، وهذا من أعظم الجرائم.

وفي الحديث: عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ خَادِمًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْدَثَتْ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدَّ، فَأَتَيْتُهَا فَوَجَدْتُهَا لَمْ تَجِفَّ مِنْ دَمِهَا، فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ( إِذَا جَفَّتْ مِنْ دَمِهَا فَأَقِمْ عَلَيْهَا الْحَدَّ، أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ). أخرجه أحمد (1082)، والترمذي (1361)، وأبو داود (3879)، وضعفه الألباني في إرواء الغليل 7 / 359، وأصله في مسلم من حديث علي رضي الله عنه موقوفا.

فالمحدِث هو من يأتي بفسادٍ في الأرض، بفعل جناية، أو معصية توجب الحد، أو بدعة في الدين، أو ظلم، ومن أعظم ذلك الإحداث في الأرض تعطيل شرع الله، كما أن من آواه هو من نصره، وأجاره من خصمه، وحال بينه وبين أن يقتص منه، وضمه إليه وحماه، وأقرَّه ورضي بعمله.إعلام الموقعين 4 / 405، وعون المعبود 12 / 169.

قال شيخ الإسلام رحمه الله:

"ومن أوى محارباً، أو سارقا، أو قاتلاً ونحوهم، ممن وجب عليه حدٌّ، أو حق لله تعالى، أو لآدمي، ومنعه أن يستوفى منه الواجب بلا عدوان، فهو شريكه في الجرم، وقد لعنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم". السياسة الشرعية (77).

وقال ابن القيم رحمه الله:

" ومن أعظم الحدث تعطيل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإحداث ما خالفهما، ونصر من أحدث ذلك، والذبُّ عنه، ومعاداة من دعا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ". إعلام الموقعين 4 / 405.

        وعليه فإيواء المجرمين كبيرة من كبائر الذنوب، يستوجب لعن فاعله، وطرده وخروجه من رحمة الله، وإذا كان هذا على المستوى الشخصي، فلا شك أن هذا بين الدُّوَل أعظم وأعظم؛ إذ كلما اتسعت رقعة الجريمة، والإعانة عليها، كلما كان أوقع للأمم في الهلاك، وأفسد لما بينها من عقود وعهود واتفاقات، ولا يخفى أن إيواء المجرمين وضمَّهم نوعٌ من التعاون على نشر الجريمة، والجرأة عليها.

والله الموفق.

كتبه: د.محمد بن موسى الدالي

في 5/4/1430هـ

 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف