فضيلة شيخنا، نرجو منكم بيان حكم الصلاة قاعدا مع القدرة على القيام،
فإن بعض المرضى يكون عاجزا عن السجود، لكن قادر على القيام، ومع ذلك يصلي قاعدا،
فما حكم صلاته؟
الحمد
لله رب العالمين
القيام
في الصلاة ركن من أركانها، لا تصح الصلاة إلا به عند القدرة عليه، فلا يجوز لأحد
أن يصلي الفريضة جالساً، إلا لعذر من مرض أو خوف أو ضعف عن القيام، قـال تعالى: )
وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ ( البقرة-238، قال في البحر الرائق شرح الكنز:
"والمراد به القيام في الصلاة بإجماع المفسرين، وهو فرض في الصلاة للقادر
عليه في الفرض وما هو ملحق به، واتفقوا على ركنيته".
وأخرج
البخاري في صحيحه من حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ. فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: (صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا
فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ)، وفي حديث المسيئ في صلاته قال صلى الله
عليه وسلم: ( إذا قمت إلى الصلاة .. الحديث) مما يدلُّ على أن القيام أمرٌ
متقرِّرٌ في الصلاة، وقد اتفق أهل العلم على ركنية القيام في الصلاة، وأنه من آكد
أركانها، ومعلوم أن ترك الركن مع القدرة على الإتيان به يبطل الصلاة، قال ابن
قدامة : "فأما من وجب عليه القيام فقعد فإن صلاته لا تصح لأنه ترك ركناً يقدر
على الإتيان به".
لكن
يسقط القيام بالاتفاق عند العجز عنه كما دل عليه حديث عمران السابق، وقواعد رفع
الحرج في الشرع، ولما في الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ: سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَرَسٍ
فَخُدِشَ أَوْ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ
فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى قَاعِدًا فَصَلَّيْنَا قُعُودًا .. الحديث.
كذا إن كان الشخص قادرا على القيام لكن القيام
يضعفه، أو يزيد من مرضه، فقد حكي الاتفاق على جواز صلاته قاعدا.
بناء على ذلك فإن كان الشخص مريضا،
ويعجز عن الركوع أو السجود ونحوه مع قدرته التامة على القيام، فإن الذي يسقط عنه
فقط هو ما يعجز عن الإتيان به، فلا يعني أنه عاجز -مثلا- عن السجود أن يبدأ صلاته
قاعدا وهو قادر على القيام، بل يقوم، ثم يسقط عنه السجود في موضعه، ويأتي به على
الوجه الذي يقدر عليه، عملا بقواعد الشرع في هذا الباب، من التخفيف ورفع الحرج
ونحوه، فإن قعد مع القدرة على القيام بطلت صلاته، ووجب عليه إعادتها.
تنبيه:
يحسن
التنبيه على أن للشخص أن يترك القيام مع القدرة عليه في النفل خاصة، ففي صحيح مسلم
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا
نِصْفُ الصَّلَاةِ .. الحديث) فهذا الحديث فيه الدلالة على جواز الصلاة قاعدا مع
تنصيف الأجر، لكنه محمول على صلاة النفل في قول عامَّة أهل العلم، وليس فيه خلاف
فيما أعلم، قال ابن قدامة: "لا نعلم خلافاً في إباحة التطوع جالساً
وأنه في القيام أفضل"؛ وذلك أن الشريعة تيِّسر في النوافل ما لا تيسره في
الفرائض، أرأيتَ الصائمَ نفلاً؟ له أن يصوم أثناء النهار، وذلك تسهيلا عليه، ولا يجوز
ذلك في الفريضة، لكن لما كان الشرع يتشوَّف لكثرة النوافل يسَّر فيها ما لم ييسره
في غيرها.
وبهذا
يظهر بطلان قول من قال: "من نسي وهو صائم نفلا فأكل أو شرب فصومه
باطل"!!
قلت: بل قوله هو الباطل، فإن الله عذره في
الفريضة، فعذر الناسي في النفل من باب أولى، وأقول - كما قال سيد الخلق صلى الله
عليه وسلم -: "فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه"، والله الموفق.
كتبه:
د.محمد بن موسى الدالي
القصيم
- عنيزة - في الخامس والعشرين من رجب لعام 1432هـ