خزانة الفتاوى / الصيام / هل يجوز الأكل والشرب إذا المؤذن لصلاة الفجر، والإناء في يدي؟

هل يجوز الأكل والشرب إذا المؤذن لصلاة الفجر، والإناء في يدي؟

تاريخ النشر : 5 شعبان 1446 هـ - الموافق م | المشاهدات : 3985
مشاركة هذه المادة ×
"هل يجوز الأكل والشرب إذا المؤذن لصلاة الفجر، والإناء في يدي؟"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط
 انتشر بين الناس فتوى جواز الشرب أو الأكل للصائم إن أذن المؤذن لصلاة الفجر والإناء أو الطعام بين يديه، فما صحة هذا؟
 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
 هذا الأمر بالفعل عمت به البلوى بناء على فتاوى البعض، دون تثبت أو نظر صحيح في المسألة، وهو بذلك خالف أصول الشرع في هذا الباب، فقد اتفقت كلمة علماء المسلمين بناء على النصوص أن حد الأكل والشرب والجماع هو طلوع الفجر، وبمجرد الطلوع يمسك الصائم عن الأكل والشرب والجماع، عملا بقوله تعالى: ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ )
والآية صريحة في جعل غاية حِل الأكل والشرب طلوع الفجر، وهو المعبَّر عنه بالخيط الأبيض بالإجماع، وقول النبي صلى الله عليه وسلم :" إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، قال : وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى، لا ينادي حتى يقال له : أصبحت ، أصبحت " وهو في الصحيحين، فجعل غاية الأكل والشرب الصبح، وهو طلوع الفجر، فهذان النصان وغيرهما أصول في الباب، وأن غاية الأكل والشرب والجماع هو طلوع الفجر.
أما ما احتج به القائلون بجواز الأكل أو الشرب لمن بيده الإناء وقد طلع الفجر، فهو الحديث الذي أخرجه أبو داود عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده  فلا يضَعْه حتى يقضىَ  حاجته منه" وهذا الحديث -إن صح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مختلف فيه- أوْجَبَ وَهْمًا في المسألة، وهو محمول عند عامة أهل العلم على مؤذنٍ يؤذن قبل الطلوع التام للفجر، بدليل ما جاء في بعض ألفاظه عند أحمد وغيره بسند صحيح أن الراوي قال: ( وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر ) أي: لم يطلع طلوعا تاما، إنما بداية الطلوع، فالحديث محمول على حال مؤذن يؤذن أول الوقت، بالتحري أو غيره، لذلك قال البيهقي على هذا الحديث: "فإنه محمول عند عوام أهل العلم على أنه صلى الله عليه وسلم علم أن المنادِي كان ينادي قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربُه قبل طلوع الفجر"، وبعضهم قال هو محمول على الأذان الأول، وهو حديث بلال رضي الله عنه، والذي كان يؤديه قبل طلوع الفجر ليرجع القائم ويتنبّهُ النائم.
فإن قيل: أليس من الممكن أن يكون هذا الحديث مخصِّصا للنصوص الأخرى؟
فالجواب: أن الحديث يحتمل أحد أمرين: إما أن يكون محمولا على حال، أو يكون مخصِّصا، وكونه يحمل على الحال المذكورة أفضل، من اعتباره مخصصا؛ لأن التخصيص نوع من إبطال دلالة النص العام عن أحد أفراده، والأصل إبقاء العام على عمومه، أو المطلق على إطلاقه حتى قيام المخصِّص أو المقيِّد السالِم، لذا كان حمله على الحال المذكورة أوفى.
فإن قيل: أليس من الممكن أن يكون هذا من باب الرخصة، وأنه أذن لهذا الشخص في قضاء حاجته من الطعام والشراب حيث كان في يده، فتعلقت نفسه به؟
فالجواب: أن هذا منقوض بالجماع، فلو أنه كان يجامع، وتعلق النفس بالجماع أقوى من تعلقها بالأكل والشرب، فهل نقول يجوز له أن يقضي حاجته من الجماع، والمؤذن يؤذن، ثم هذه الحاجة في الأكل أو الشرب أو الجماع تتفاوت، فقد تنقضي عند شخص بلقيمات، وعند آخر بأكثر بكثير، ولا يمكن أن يناط الحكم في الشرع بأمر غير منضبط بهذا الشكل، وتبقى نصوص الشريعة محكمة في هذا الباب دون تخصيص أو ترخص.
علما أنه -لم يقل فيما أعلم- أحدٌ من أصحاب المذاهب المعتبرة بجواز الشرب أو الأكل إذا أذَّن المؤذن، بل جماهير أهل العلم على تحريم ذلك، إنما هو قول شاع في الآونة الأخيرة، وصدر من أناس لم يطلعوا على شرح وفقه الحديث بالقدر الكافي، فاعتبروه مخصصا للنصوص، وقد تقدم الرد على ذلك.
على أنه قد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن هذا الحديث موقوف، غير مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم، وعلى تقدير ثبوته، فقد تقدم الرد عليه.
وعليه فمتى طلع الفجر، وحصل الإعلام بذلك بالأذان، وجب على المسلم التوقف تماما عن الأكل أو الشرب أو الجماع، فإن استمر في أكله أو شربه قضى اليوم، لكن إن علم وقطع بأن المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر، فليتم أكله وشربه حتى الطلوع الحقيقي.
على أني أوصي إخواني من طلبة العلم وغيرهم أن يتفهموا قضية حمل النص على حال، فيما إذا وقع مخالفا للأصول، فهو فقه عزيز للغاية،
والله تعالى ولي التوفيق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 18/9/1429هـ
 

مواد جديدة

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف