طاعةُ الزوجِ تقدَّمُ على الأرجح على طاعةِ الوالدين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فقد اختلف أهل العلم في أي الحقَّيْنِ أعظم تقديما: حق الزوج، وهو قول جماعة من أهل العلم، أم حق الوالدين، وقد قال به أيضا جماعة من أهل العلم؟ ويزدادا الأمر تعقيدا، فيما إن احتاجت الأم أو الأب ابنتهما لمرض أو تمريض ونحوه، ومنعها الزوج، إما تعنُّتًا أو لحكمة أو شيء في نفسه.
غير أن القول الأول هو الذي عليه الفتوى، وهو ما أوجبته نصوص الشريعة، وتوَافَقَ مع الحكمة البالغة، وذلك من وجوه:
أولا: ورود جملة من النصوص في تعظيم حق الرجل على امرأته، وهي نصوص عامة تشمل ما إذا كانت المرأة لها والدان أم لا، ومنها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "إذا صلَّت المرأةُ خمسَها، وصامت شهرها، وحَصَّنت فرجَها، وأطاعت زَوجها، قيل لها: ادخُلي الجنَّة من أيِّ أبواب الجنَّة شئت" صحيح الإسناد.
قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "لو كنت آمرًا أحدًا أن يَسجُد لغير الله لأمَرتُ المرأة أن تَسجُد لزوجها، والذي نفسُ محمد بيده لا تُؤدِّي المرأة حقَّ ربِّها حتى تُؤدِّيَ حقَّ زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قَتَب لم تَمنَعه" وهو حديث صحيح.
كما ورد بسند ضعيف أن عائشة رضي الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أعظم حقا على المرأة ؟ قال : زوجها . قلت : فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟ قال: أمه. وهو ضعيف كما تقدم.
وهذه النصوص وغيرها كما ترى لم تفرق بين الزوجة ذات الوالدين أم غيره، بل جعلت الحق للزوج عليها مطلقا، لمجرد كونه زوجا، ولو كان للوالد أو الوالدين أدنى حق في الطاعة عليها، لما أغفلته الشريعة.
لذلك شدد العلماء في هذا الأمر بناء على هذه النصوص، فقال الإمام أحمد لما سئل عن امرأة لها زوج وأم مريضة؟ فقال: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها، إلا أن يأذن لها .
وقال شيخ الإسلام : "المرأة إذا تَزوَّجت، كان زَوجُها أملك بها من أبويها، وطاعةُ زوجها عليها أَوجَبُ". وقال في موضع آخر: "باتفاق الأئمة". ولا أدري هل اطلع على الخلاف في المسألة أم لا، ففي المسألة خلاف مشهور جدا؟!
ثانيا: أن المرأة إن تزوجت انتقلت ولايتها تماما من أبيها أو وليِّها إلى زوجها، وهذا متماشٍ تماما مع الحكمة، فالزوج أبقى للمرأة غالبا من والديها، ولو جعل السمع والطاعة لغير الزوج لفسد البيت، وكانت المرأة كلما أرادت شيئا فمنعها الزوج لجأت إلى وليِّها، من أب وغيره، فكانت الحكمة في جعل الولاية تامةً للزوج.
ثالثا: لو أن الزوج منع الزوجة من زيارة والديها، لمرض ونحوه، وانصاعت لأمره، بالرغم من مرارته عليها، فإنها لا توصف بالعقوق لوالديها؛ إذ إن عدم ذهابها لهما اضطرارا وليس اختيارا، والعاق إنما يعق باختياره، وهي في ذلك ممنوعة، وليست مختارة، فوصفها إذن بالعقوق خطأ محض.
رابعا: قد يمنع الزوج امرأته من ذلك تعنُّتا، وهو بذلك آثم لقطعه الإحسان الواجب بين المرأة ووالديها، لكنها مع ذلك مثابة لطاعته، وليست عاقة كما تقدم لوالديها، إذ هي تكره ذلك غاية الكره، أو قد يمنعها لحكمة يراها، أو فساد يخشاه من البيت ونحوه، مما هو معروف منقول، والأمر في ذلك بينه وبين الله تعالى، ولا حرج عليها البتة في الأمرين.
على أنه يجب وبكل حال أن يعي الأزواج حجم هذا الأمر فيما لو أقدم عليه، وأنه يمنع الزوج من أغلى شيء في نفسها، وهو أمها أو أبوها، فمهما كانت المفسدة المترتبة على زيارتهما، فهي أعظم من مصلحة المنع، اللهم إلا يخشى فسادا عظيما عليها منهما، أما والحال مستقرة، فليس من الحكمة بحال منع الزوج زوجته من زيارة والديها في صحتهما، فضلا عن مرضهما.
والله ولي التوفيق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 1440/2/14هـ