ارجو التكرم ببيان حكم تكرار العمرة في السفرة الواحدة عني وعن غيري وجزاك الله خير؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.
فإن تكرار العمرة من حيث هو أمر مشروع في الجملة في السَّنة الواحدة، وهو مستحب في قول جمهور أهل العلم، من الحنفية والشافعية والحنابلة وعدد من المالكية، كابن الماجشون ومطرف، وهو قول جمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كابن عمر وابن عباس وأنس وغيرهم رضي الله عنهم، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبِي هُرَيْرة رضِي الله عنْه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "العُمْرة إلى العمْرة كفَّارة لِما بيْنهما، والحجُّ المبْرور ليْس له جزاء إلاَّ الجنَّة" .
فيسن بناء على هذا النص تكرار العمرة في السنة الواحدة، كأن يعتمر كل شهرين أو ثلاثة أشهر مرة.
أما تكرارها في السفرة الواحدة، كما هو صنيع جمع من المسلمين، فالأظهر أن الأولى تركه، لأنه لو كان تكرارها في السفرة الواحدة مستحبا لكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحرص على ذلك، ومع ذلك لم ينتدب الصحابة أنفسهم لفعل هذا، ولم يرد عنهم تسارعهم في هذا الأمر، مما يدل على أنه ليس محلا للتنافس والعمل.
أما ما ورد عن عائشة رضي الله عنها حينما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتمر بعد أن انتهى من حجه صلوات الله وسلامه عليه، فأمر أخاها عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم، فإن هذا إنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم تطييبا لخاطرها، حيث قالت : أيرجع الناس بحج وعمرة وأرجع بحج فقط؟!!، لأنها كانت حاضت بعد أن أحرمت بالعمرة فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تقلب عمرتها حجا،
وكذلك فإن الصحابة كلهم كانوا حضورا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يطلب أحد نفس الأمر، ولم يعتمر كذلك أخوها عبد الرحمن مع أنه معها، وكان أولى به أن يعتمر، مما يدل على أن هذا الأمر له فقه خاص، وقد كان الحجاج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زادوا على مائة ألف حاج، ومعلوم حرص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخير، فلو كان هذا خيرا لبادروا إليه آحادا وجماعات، فلما لم يقم أحد بهذا كان دليلا على أنه ليس من الهدي والخير في شئ، كما أنه لم يثبت عن أحد من السلف رحمهم الله فعل هذا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" ولم يكُن على عهد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وخلفائِه الرَّاشدين أحدٌ يخرج من مكَّة ليعتمِر إلاَّ لعذْرٍ، لا في رمضان ولا في غيْر رمضان، والَّذين حجُّوا مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ليس فيهم منِ اعتمر بعد الحجِّ من مكَّة إلاَّ عائشة كما ذُكِر، ولا كان هذا من فِعْل الخلفاء الرَّاشدين، والَّذين استحبُّوا الإفراد من الصَّحابة إنَّما استحبُّوا أن يحجَّ في سفرة ويعتمِر في أخرى، ولم يستحبُّوا أن يحجَّ ويعتمِر عقب ذلك عمرة مكّيَّة؛ بل هذا لم يكونوا يفعلونه قطّ، اللَّهمَّ إلاَّ أن يكون شيئًا نادرا".
والله تعالى أعلم، وبالله التوفيق.
كتبه : د.محمد بن موسى الدالي
في 6/10/1433 هـ