المواد / المقالات / تأملات بين الأضحية وزكاة الفطر

تأملات بين الأضحية وزكاة الفطر

تاريخ النشر : 5 رمضان 1440 هـ - الموافق 10 مايو 2019 م | المشاهدات : 1309
مشاركة هذه المادة ×
"تأملات بين الأضحية وزكاة الفطر "

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط
  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
 في بعض الأحيان يكون من الضرورات الفقهية النظر بين المسائل المتشابهة، وإجراء بعض التنظيرات الفقهية، على أنه قد يستبعد البعض -بداية- أن يوجد شبه بين زكاة الفطر والأضحية، وحقيقةً هذه الكتابة ليست لإجراء مشابهة أو مناظرة فعلية بينهما، لكن لبيان أمر هام جدا في العبادات المتعلقة بأزمنة خاصة، أو حدد الشارع لها أحكاما خاصة، فسيتضح حكمها من خلال بيان حكم المشابه له، وهو ما يجلي وجه الشبه بينهما، وبداية أقول:
الأضحية عبادة عظيمة، وهي من شعائر الله العظيمة، كما قال تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج/36، 37].
كما بين النبي صلى الله عليه وسلم أحكاما خاصة بها، فعَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ قَالَ: سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رضي الله عنه: مَا لاَ يَجُوزُ فِى الأَضَاحِى؟ فَقَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصَابِعِى أَقْصَرُ مِنْ أَصَابِعِهِ وَأَنَامِلِى أَقْصَرُ مِنْ أَنَامِلِهِ فَقَالَ « أَرْبَعٌ لاَ تَجُوزُ فِى الأَضَاحِى: الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِى لاَ تَنْقَى ». 
وهذا يدل على أن المقصود بالأضاحي التقرب إلى الله بأضحية خالية من العيوب، وأن ما كان معيبا فهو ليس مجزئا، حتى ولو تحقق النفع به.
كما قامت أدلة الشرع على أن الأضحية يجب أن تكون من بهيمة الأنعام، قال تعالى: { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَـمِ فَإِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ } وبهيمة الأنعام هي الإبل والبقر والغنم، هذا هو المعروف عند العرب، قاله الحسن وقتادة وغير واحد. وهي متأكدة في الأضحية ، فلا يجزئ للأضحية غير بهيمة الأنعام، ولو كان من أجود أنعام اللحوم، فلا يجزئ الغزال ولا الخيل ولا الدجاج ونحوه.
كما اشترط الشارع أن تبلغ سنًّا معينة، فلا يجزئ قبلها، ولو كانت من أسمن وأنفع ما يكون، لقوله صلى الله عليه وسلّم: «لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن» رواه مسلم.كما حدد الشارع للأضحية المجزئة وقتا، فلا يجوز قبله ولا بعده، روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء».
وفي لفظ قال لمن ذبح قبل الصلاة، وهو أبو بردة بن نيار رضي الله عنه: ((شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ , وَلَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ)).
وعن جندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى».
فيتضح من مجموع هذا أن الأضحية عبادة جليلة، له وقت محدد، وسنٌّ محدد، وجنس محدد، ووصف محدد، فمن تجاوز تلك الأوصاف، فإنها لا تجزئ عنه كأضحية، فمن ذبح مائة دجاجة، فهي ليست أضحية، ولا تجزئ عنها، وهو مأجور مثاب على ذلك، ومن أتى ببقرة عظيمة اللحم، لكنها دون السن، فإنها لا تجزئ ، بينما لو أتى ببقرة بالغة السن، لكنها أنحف من الأخرى أجزأت، مع أن الأولى من حيث النفع أنفع من الثانية.وكذا لو أتى بشاة سمينة بدينة، لكنها عوراء، فلن تجزئ، ولو أتى بشاة نحيفة، خالية من العيوب، لأجزأت، مع أن الأولى أنفع منها.
وبناء عليه فإن مسألة نفع الفقير باللحم –وإن كانت في الاعتبار- لكنه ليس المقصد الأول من تلك العبادة، بل المقصد الأعظم والمطلوب الأول للشارع هو إراقة الدم، والتقرب إلى الله بتلك الشعيرة.
وهذه المقدمة تمهد لأمر مهم، وهو المعنى التعبدي أيضا في زكاة الفطر، فكافة من قال بإجزاء إخراج زكاة الفطر بالقيمة، إنما نظر لمعنى النفع فقط، أعني نفع الفقير بالنقد مثلا، وهذا وإن كان معتبرا في العبادة، لكن هناك مقصد أعظم، وهو إظهار نعمة الله تعالى بحلِّ الطعام يوم العيد، بعد أن كان ممنوعا في رمضان، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فمن ثم أوجب الشارع زكاة الفطر من الطعام لإظهار تلك المناسبة الشرعية، وكان لها وقت محدد أيضا، لا تجزئ بعده، ولا قبله، وكانت من جنس معين كذلك، فشابهت الأضحية من تلك الوجوه. فكما لا يجزئ غيرُ ما حدد الشارع في الأضحية، ولو كان من حيث النفع أنفع، فكذا زكاة الفطر، لا يجزئ غير ما حدد الشارع، ولو كانت من حيث النفع أنفع ، وهذا شأن العبادات التوقيفية. غير أن البعض يجعل الحكم منوطا بالنفع فقط، وهذا يلزمه أن يقول: يجزئ في الأضحية الدجاجُ والأبطُ والأوز والغزال والخيل، والشاة المعيبة كثيرة اللحم، وكذا لو كانت صغيرة عن السن، فكل هذا من حيث النفع نافع أو أنفع، ومع ذلك فإن الإجماع منعقد على عدم الإجزاء به؛ لأن في هذه الشعيرة معنى تعبديا، وكذا في زكاة الفطر، فلا يجزئ النقد ونحوه؛ لأن فيها معنى تعبديا كما سبق بيانه، ومن أباح إخراجها من النقد، فهو بمثابة من أباح الأضحية من غير بهيمة الأنعام، أو أباح إخراج القيمة، على أنها بدل الأضحية، 
والله تعالى أعلم. 
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي 
في 8/12/1434هـ
 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف