الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فقد أخرج أحمد وأصحاب السنن عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: مَا شِئْتَ. قَالَ قُلْتُ الرُبُعَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ النِّصْفَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قَالَ قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ : إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ.
وقد اختُلِف في تصحيح هذا الحديث، فصححه جماعة، وضعفه آخرون لكونه يدور على شخص واحد، وهو منكر الحديث، وعامة ما يرويه غريب، وهو عبد الله بن محمد بن عقيل، وأكثر المحدثين على ضعفه.
وعلى تقدير أن الحديث حَسَنٌ، فقد توهَّم البعض أن الحديث معناه ترك الدعاء للنفس، والانشغال بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم سائر الوقت، وهو بهذا المعنى الموهوم يخالف أصولَ الشرعِ في الترغيب من الدعاء للنفس، وللغير، قرآنًا وسنةً، ويخالف هديَ النبي صلى الله عليه وسلم، وهدي أصحابه الكرام رضي الله عنهم العمليَّ، فقد نقل عنه صلى الله عليه وسلم الإكثار من الدعاء، وفي غير موضع، كما تابعه على ذلك أصحابه رضي الله عنهم، ولم ينقل في حرف واحد أن أحدًا منهم ترك الدعاء، وانشغل بالصلاة فقط على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هذا انتقاصا للصلاة عليه، صلى الله عليه وسلم، إنما هو تحريرٌ للسنة في هذا الباب، وحملٌ للناس على معاني الشريعة الصحيحة.
وحيئنذ يتعين أن يكون المعنى العام المقصود من الحديث هو الدعوة إلى الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله، ويحمل فعل أُبَي ٍّرضي الله عنه على أنه كان له جلسة دعاء خاصة، وسأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم هذا السؤال، فأرشده إلى أنه إن جعلها كلها في الصلاة عليه، كفاه الله همَّه، وغفر ذنبه، وقد أشار إلى هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
وهو معنى حسن، يتَّسِق مع أصول الشرع القولية والعملية المرغِّبة بقوة في الدعاء وفضله وشرفه، وأنه مُخُّ العبادة، ودليل الخضوع لله تعالى، مع ضرورة الحفاظ والمداومة على الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففيه الخير العظيم، فهو دعاء لسيد البشر صلى الله عليه وسلم، تؤمِّن عليه الملائكة، وتقول: "ولك بمثل"، فتنال به الخيرات وتدفع عنك المضرات، وتكفى همَّك، ويغفر ذنبُك.
فاللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على خير خلقك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
والله ولي التوفيق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 1441/2/5هـ