الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإنه كثر السؤال على الفَرْق بين العِينة والتورق، من طلبة وطالبات المستوى الرابع بأكاديمية زاد، وللتوضيح أقول الآتي:
أولا: تتفق المعاملتان في أن السلعة غير مقصودة بالعقد ابتداء، فلا في العينة قصدت السلعة، ولا في التورق قصدت السلعة.
ثانيا: الفرق الجوهري بين المعاملتين: أن العِينة بين طرفين فقط، وكلاهما يعرف أن المقصود القرض الربوي، وأن المعاملة قائمة على الحيلة، فهذا يريد نقدا قرضا، والثاني لا يقرضه إلا بزيادة، وللتخلص من هذا القرض الربوي الصريح، لجئا إلى إجراء معاملة بيع صورية.
ولما كانت الحيلة على القرض الربوي بهذا الشكل الصريح، منعها جماهير الفقهاء، وجاء النص الصريح بتحريمها: (إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع .. ) الحديث.
أما التورق، فهي بين ثلاثة أطراف، لا تواطؤ بينهم البتة، فهذا يريد نقدًا في نفسه، لا سلعةً، فاشترى من آخر سلعة بثمن مؤجل، وهو بيع صحيح، ثم باعها لثالث بثمن نقد، وهو بيع صحيح، دون أي تواطؤ مسبق بين الثلاثة، فحصل للأول النقد الذي يريده، وانشغلت ذمته بثمن السلعة لمن باعها إياه بثمن مؤجل، فالمعاملة من أولها لآخرها بيع صريح، غير أن المشتري الأول لم يكن يريد السلعة، فلجأ إلى هذا.
لذلك أباحها جمهورالفقهاء؛ لخلوها من الحيلة على الربا بين الجميع، بينما منعها عمر بن عبد العزيز وشيخ الإسلام رحمهما الله؛ بناء على نية المشتري الأول، والذي لم يرد أصلا سلعة، إنما أراد النقد، فلهذا الملحظ منعوها.
ثالثا: من حيث الدليل، العينة ورد فيها نص صريح، والتورق لم يرد فيه نصوص.
رابعا: من حيث الحكم، فإن العينة محرمة في قول عامة أهل العلم، مع خلاف ضعيف عن الشافعية، والتورق مباح في قول الجمهور، ونازع فيه عمر بن عبد العزيز، وشيخ الإسلام رحمهما الله.
والله ولي التوفيق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في: الخميس 1441/6/5هـ