أقوال أئمة السلف في أن الله تعالى "مستوٍ على عرشه، فوق سماواته"
وهذه الأقوال قبل أبي الحسن الأشعري، وقبل ابن تيمية، وقبل الوهابية، الذين نغصوا على أهل البدع حياتهم!!!
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلام على عبده المصطفى، وبعد
روى عبد الله بن أحمد بأسانيد صحاح عن ابن المبارك أنه قيل له: بماذا نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق سمواته، على عرشه بائن من خلقه، ولا نقول كما تقول الجهمية.
وقال رحمه الله: "قالت طائفة أخرى من الجهمية بنفي النقيضين، قالوا: لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته، ولا مبين له ولا محيط له، ولا متصل به ولا منفصل عنه! هذا أشد كفراً نعوذ بالله". اهـ. انتبه: هذا هو معتقد الأشاعرة اليومَ في وصف الله تعالى، والذي يزعمون أنه مذهب أهل السنة والجماعة! والله المستعان
وروى ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية عن سعيد بن عامر الضبعي إمام أهل البصرة علماً وديناً من شيوخ أحمد أنه ذكر عنده الجهمية, فقال: هم أشر قولاً من اليهود والنصارى، وقد اجتمع اليهود والنصارى وأهل الأديان مع المسلمين على أن الله على العرش، وهم قالوا: ليس على شيء!
"فاليهود والنصارى وأهل الأوثان أقروا بأن الله موجود، وبأنه فوق العرش، وهؤلاء أنكروا وجود الله؛ لأنه لما أنكروا العلو، وقالوا: في كل مكان، أو قالوا: لا داخل العالم ولا خارجه أنكروا وجود الله، فمن أقوالهم كما قال عبد الملك بن مروان أنهم يقولون: ليس على العرش إله، فاليهود تحت هذه الحالة ومن هذه الناحية من جهة اعترافهم بالرب وأنه في العلو هم أفضل من هؤلاء الجهمية الذين قالوا: ليس هناك رب فوق نعوذ بالله" اهـ.
وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة إمام الأئمة: "من لم يقل: إن الله فوق سمواته، على عرشه بائن من خلقه وجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، ثم ألقي على مزبلة، لئلا يتأذى بنسم ريحه أهل القبلة ولا أهل الذمة" ذكره عنه الحاكم بإسناد صحيح.
وعن عبد الرحمن بن مهدي الإمام الكبير قال: ليس في أصحاب الأهواء شر من أصحاب جهم، يدُورون على أن يقولوا: "ليس في السماء شيء"، أرى والله أن لا يناكحوا ولا يوارثوا.
وقال الإِمام: أبو محمد بن أبي زيد القيرواني، شيخ المالكية، في أول رسالته المشهورة، في مذهب الإِمام مالك: "وأنه تعالى فوق عرشه المجيد، بذاته، وأنه في كل مكان بعلمه".
وقد نقل هذا عن الثوري، ومالك كما تقدم، والحمادين وابن عيينة، وابن المبارك كما تقدم، والفضيل، وأحمد، وإسحاق، فكل هؤلاء متفقون على أن الله فوق العرش بذاته، وأن علمه بكل مكان؛ وكذلك قالها ابن عبد البر، وكذا قال شيخ الإِسلام أبو إسماعيل الأنصاري الشافعي -وهو حجتهم في الفقه- : "إن الله في السماء السابعة، على العرش بنفسه، وكذا قال أبو الحسن الكرجي، الشافعي، في قصيدته في عقائدهم:
إن الإِلَه بذاته على عرشه مع علمه بالغوائب
ونقل عن ابن الصلاح أنه علق على تلك القصيدة: "هذه عقيدة أهل السنة، وأصحاب الحديث".
وقال محمد بن يوسف صاحب أبي حنيفة رحمهما لله: من قال: "إن الله ليس على عرشه فهو كافر".
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: القول في السنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها، أهل الحديث الذين رأيتهم فأخذت عنهم مثل: سفيان ومالك وغيرهما: الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن الله على عرشه في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء. وصية الإمام الشافعي.
ونقل إسحاق بن راهويه -شيخ البخاري و مسلم- المتوفي عام 238 هـ: في قول الله تعالى (الرحمن على العرش استوى) نقل إجماعَ أهل العلم أنه فوق العرش استوى، ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة.
وقال الامام قتيبة بن سعيد المتوفي عام 240 هـ: هذا قول الأئمة في الإسلام السنة والجماعة: نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه، كما قال جل وعلا (الرحمن على العرش استوى).
والنقول في ذلك كثيرة جدا، لا منتهى لها، تؤكد على مذهب السلف الصالح، أهل السنة والجماعة، في هذا الباب.
فمقالة "إن الله تعالى ليس في السماء، ولا أنه استوى على العرش، وأنه ليس له مكان، وأنه خلق الزمان والمكان، فلا يحويه زمان ولا مكان"، وغير ذلك من تُرُّهات وخرافات وأوهام الجهمية والمعتزلة ومن تابعهم، مقالاتٌ مخالفة لصريح القرآن والسنة وإجماع سلف الأمة والفطرة والعقل، الدالة على علو الله تعالى فوق جميع مخلوقاته، وأنه تعالى مستوٍ على عرشه، كما يليق بجلاله، لا يحويه شيء منها، فهو خالقها سبحانه وتعالى، وهو القائل في كتابه: (والسماوات مطويات بيمينه) فكيف يكون داخلها؟! إنما هو فوقها جل وعلا.
فتلك المقالات، ظاهرة البطلان والفساد والضلال، كافية في إظهار بيان فساد معتقدهم، وفي إبطال زعمهم أنهم أهل السنة والجماعة.
فالتحقيق الذي لا مرية فيه أن أهل السنة والجماعة هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والتابعون وتابعو التابعين، وأئمة علوم الشريعة كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والليث بن سعد وغيرهم، والبخاري ومسلم وأبي زرعة وأبي حاتم وأبي داود وغيرهم، من أصحاب القرون المفضلة الثلاثة، حتى نهايات القرن الثالث الهجري، وبداية ظهور أبي الحسن الأشعري، وانتشار مذهبه المتأثر فيه بأهل الاعتزال والكُلَّابية، والذي تاب منه، رحمه الله تعالى.
والله المستعان
جمعه: د. محمد بن موسى الدالي
في 27/1/1444هـ