الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فإن صلاة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم محفوظة، بحاذفيرها، لم يترك الصحابة رضي الله عنهم شاذَّة ولا فاذَّة، في صلاته، إلا حفظوها عنه صلى الله عليه وسلم، ونقلوها لأمته؛ حفظا لشريعته، رضي الله عنهم أجمعين، وتحقيقًا لقوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وهذا يشمل حفظ الكتاب والسنة، إذ الشريعة كلها تدور عليهما، ومن قلة العلم حصر الآية في حفظ القرآن فقط.
ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان كلما سلَّم من صلاته جلس يذكر الله تعالى، ثم استقبل القبلة، وجعل يدعو، غير الاستغفار ثلاثا المحفوظ عنه!!
فتلك الصورة التي نراها بين الحين والآخر عند بعض الأئمة، أو قد تفعلها بعض النساء في البيوت، من كونه إن انتهى من الأذكار استقبل القبلة مرة ثانية وجعله يدعو، بصفة راتبة دبر كل صلاة مكتوبة، فلا أصل لهذه الصورة من فعله عليه الصلاة والسلام، بل كان يقول: استغفر الله ثلاثا، ثم يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ياذا الجلال والإكرام، ثم يأتي بأذكار الصلاة وآية الكرسي والإخلاص والمعواذت، ولا يزيد، وكان كل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم دبر الصلوات، داخلها، وليس المراد بعدها، إنما آخرها قبل التسليم، على الأرجح، فإن الأرجح في تفسير "دبر الصلاة": أن ما كان من ذكر وتسبيح ونحوه، فالمراد بدبر الصلاة بعد التسليم منها، وما كان من دعاء ونحوه، فدُبُرُ الصلاة قبل التسليم منها، دلَّ القرآنُ والسنةُ على هذا التفصيل بشكل واضح.
هذا، ولا يُمنع الدعاءُ بعد الصلاة بين الحين والآخر، دون تكلُّفٍ، وتحوُّلٍ إلى القبلة ونحوه، لأمْرٍٍ أَلَمَّ بالعبد، أو ضِيقٍ أصابه ونحوه، فدعا، سواءٌ على حاله، أو أنه استقبل القبلة، فمثل هذا لا بأس به، ومع ذلك لو ادَّخَرَ كلَّ دعائِهِ داخلَ الصلاة قبل تسليمه منها، كان أكمل وأكثر موافقة للسنة، وللحكمة أيضا، فقُرْبُ العبدِ من اللهِ تعالى داخل الصلاة أقوى مما لو خرج منها.
أما الاستمرار والمواظبة على الصفة المذكورة دون دليلٍ من السنة، فهو يجعل هذا العملَ في حيِّز البدعة.
مع التنبيه على أن الأصل في الدعاء استقبال القبلة، ورفع اليدين، وإنما جرى التنبيه على عدم اختصاص الصلاة بذلك.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 9/3/1446هـ