قتل الخطأ وموجباته والعفو عن الجاني في تلك
الحال
ما الواجب في القتل الخطأ، وهل العفو عن القاتل
في القتل الخطأ أفضل؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
اعلم أن
الأصل أنه إذا لم يحصل من القاتل تفريطٌ و لا تعدٍّ فلا شيء عليه ، لا كفارة
ولا دية، وأنه إذا حصل تفريطٌ وتعدٍّ، فقد اتّفق الفقهاء أن على
الجاني الكفَّارةَ والدية على عاقلته، لقوله تعالى: { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن
يَصَّدَّقُواْ }[النساء: 92] ، وأن هذا الحكم يثبت حتى في حقِّ الكافرِ إن قتله
المؤمنُ خطأً، لقوله تعالى: { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ
مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً
} [النساء: 92].
وتجب دية الخـطأ على العاقلة لحـديث أبي هريرة
رضي الله عنه قال: ( اقتتلت امرأتان من هـذيل فَرَمَتْ إحداهما الأخرى بحجر، فقتلتها
وما في بطنها، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن ديـة جنينها غرّةٌ ، عبدٌ أو وليدةٌ،
وقضى بديـــة المرأة على عاقلتها) متفق عليه.
واختلف أهل العلم هل يتحمل الجاني شيئا من الدية
مع العاقلة؟ والأقرب ما دل عليه الحديث، أنه لا يتحمل، وأن الدية كاملة على
العاقلة، وهو المشهور من مذهب الشافعية والحنابلة.
كما تجب الكفارة في قتل الخطأ، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين،
قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَل
َمُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى
أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ
مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً
فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ
اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }[النساء: 92].
وإنما وجبت الكفارة والدية في قتل الخطأ؛ لأنه لا يخلو من تفريط من القاتل
غالبا، كما أن في إيجابهما تعظيماً لحُرمةِ النفس التي قتلت.
أما العفو، فإنه ينظر في ذلك ، فإن كان الجاني ليس من أهل الخِفَّة
والطيش وعدم المبالاة، ويأتي العفو معه بنتائج حميدة، فهو أفضل ، قال تعالى: {فَمَنْ
عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]، وإن كان يضرُّه، ويزيده
تماديا في طيشه، فعدم العفو أولى؛ لأن الله تعالى أرشد إلى العفو إن كان معه إصلاح.
والله الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 14/5/1430هـ