خزانة الفتاوى / عقيدة / دارُ الإسلامِ

دارُ الإسلامِ

تاريخ النشر : 26 شوال 1446 هـ - الموافق م | المشاهدات : 1668
مشاركة هذه المادة ×
"دارُ الإسلامِ "

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

دارُ الإسلامِ 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فقد تعددت الآيات في كتاب الله مبينة صفات دار الإسلام، ومن ذلك الآتي:

قوله تعالى: ] إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [ الأنفال-72.

قوله تعالى: ] الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ {40} الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ{41}[ الحج40-41.

وقوله تعالى: ] وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ  [النور-55.

فمن خلال هذه الآيات يتبين أهم الأوصاف لدار الإسلام، ويمكن حصرهما فيما يلي:

أولا: تمكين المؤمنين فيها.

ثانيا: تمكين دين الله فيها، وذلك بظهور أحكامه وشعائره.

ثالثا: سكنى دار الإسلام.

رابعا: ظهور الأمن للمسلمين([1]).

تعريف دار الإسلام:

لقد تناول الفقهاء وصف الدارين كثيرا، وبالنظر في تلك التعاريف لا يكاد يخرج تعريف دار الإسلام عن ثلاثة اتجاهات:

الاتجاه الأول: مراعاة ظهور أحكام الإسلام، مع كون أهلها مسلمين، ولا يضر وجود غير المسلمين.

فدار الإسلام هي: "كل بقعة تكون فيها أحكام الإسلام ظاهرة"([2]).

أو: " كل أرض سكنها مسلمون وإن كان معهم فيها غيرهم، أو تظهر فيها أحكام الإسلام "([3]).

وقيل: " كل دار ظهرت فيها دعوة الإسلام من أهله بلا خفير، ولا مجير، ولا بذل جزية، وقد نفذ فيها حكم المسلمين على أهل الذمة إن كان فيهم ذمي، ولم يقهر أهل البدعة فيها أهل السنة "([4]).

كما عرفها البجيرمي بقوله: " الدار التي يسكنها المسلمون وإن كان فيها أهل ذمة، أو فتحها المسلمون وأقروها بيد الكفار، أو كانوا يسكنونها ثم جلاهم الكفار عنها"([5]).

ويراد بظهور أحكام الإسلام كل حكم من أحكامه غير نحو العبادات، كتحريم الزنى والسرقة، أو يسكنها المسلمون وإن كان معهم فيها أهل ذمة، أو فتحـها المسلمون،

وأقرُّوها بيد الكفار، أو كانوا يسكنونها، ثم أجلاهم الكفار عنها([6]).

الاتجاه الثاني: النظر إلى كون الدار في سلطة إمام مسلم، بقطع النظر عن وجود مسلمين فيها.

قال الرافعي: "ليس من شرط دار الإسلام أن يكون فيها مسلمون، بل يكفي كونُها في يد الإمام، وإسلامُه"([7]).

وقال ابن حزم: "لأن الدار إنما تنسب للغالب عليها والحاكم فيها والمالك لها"([8]).

وقال ابن القيم: "قال الجمهور: دار الإسلام هي التي نزلها المسلمون وجرت عليها أحكام الإسلام، وما لم تجر عليه أحكام الإسلام لم يكن دار إسلام وإن لاصقها"([9]).

فالعبرة على هذا بالحاكم ونظام الحكم في الدولة.

الاتجاه الثالث: ذهب بعض المعاصرين إلى أن دار الإسلام هي الدار التي تطبق شريعة الإسلام، وتشمل كل بلد تطبق فيه أحكام الإسلام، وتحكمه شريعة الإسلام، سواء كان أهله كلهم مسلمين، أو كان أهله مسلمين وذميين، أو كان أهله كلهم ذميين، ولكن حكامه مسلمون يطبقون فيه أحكام الإسلام، ويحكمونه بشريعة الإسلام، أو كانوا مسلمين، أو مسلمين وذميين ولكن غلب على بلادهم أنهم حربيون، غير أن أهل البلد يطبِّقون أحكام الإسلام، ويقضون بينهم حسب شريعة الإسلام([10]).

فالمدار كله في اعتبار بلد ما دارَ إسلامٍ هو تطبيقه لأحكام الإسلام وحكمه بشريعة الإسلام.

 

وهذا التوجُّه في التعريف يخرج كثيرا من بلاد المسلمين عن أن تكون دار إسلام، نعم يجب أن تكون دار الإسلام هي الدار التي تطبق الشريعة وتحكم بالإسلام، فهذا مطلب عزيز، وعلى كل الحكومات الإسلامية أن تسعى لتحقيقه، وتجعله هدفها المنشود، لكن أن يقال: إن دار الإسلام هي التي تطبق الشريعة، فيخرج بذلك غالب الدُّوَل الإسلامية عن أن تكون دار إسلام لعدم نهضتها للقيام بشريعة الإسلام!! فهذا قول في غاية البعد.

ولعل أقرب ما يمكن أن يكون معتبرا في تسمية الدار بدار إسلام هو الجمع بين الاتجاهين الأولين:

الأول: ظهور أحكام الإسلام، نحو تحريم الزنا والخمر والسرقة والربا والميسر، ويجب أن يدخل في ذلك ظهور شعائر الإسلام كالصلاة والصوم ورفع الأذان والاجتماع لصلاة الجمعة ورفع خطبتها، ونحوه، ويؤيد هذا حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قَالَ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار .. الحديث"([11]).

الثاني: أن تكون السلطة والولاية والقوة والمنعة فيه للإسلام؛ لأن مما يمكِّن من إظهار شعائر وأحكام الإسلام هو قوة السلطان([12]).

ولا يمنع أن تكون الحكومة التي تحكم البلاد غير مسلمة، ولا يخرج ذلك عن أن تكون الدار إسلامية، متى تمكن المسلمون من إظهار أحكام الإسلام.

وعليه فتشمل دار الإسلام البلاد التي تظهر فيها أحكام الإسلام، أو يستطيع سكانها المسلمون أن يظهروا فيها أحكام الإسلام، فيدخل كل بلد سكانه كلهم أو أغلبهم مسلمون، وكل بلد يتسلط عليه المسلمون ويحكمونه ولو كانت غالبية السكان من غير المسلمين، كما يدخل كل بلد يحكمه ويتسلط عليه غير المسلمين ما دام فيه سكان مسلمون يظهرون أحكام الإسلام، أو لا يوجد لديهم ما يمنعهم من إظهار أحكام الإسلام([13]) .

والله ولي التوفيق

كتبه: د.محمد بن موسى الدالي

في 3/5/1430هـ

 



([1])  اختلاف الدارين وأثره في أحكام المناكحات والمعاملات (32)، وانظر: الجنسية والتجنس وأحكامهما في الفقه الإسلامي (64)، والفقه والأحكام في نوازل الفتنة والولاء وديار الإسلام (125) وما بعدها.

([2])  انظر: المبسوط 10/ 114، وحاشية ابن عابدين 3/ 253 ط. إحياء التراث، والمدونة 2/ 22 ط. السعادة، وكشاف القناع 3/ 43، والإنصاف 4/ 121.

([3])  حاشية البجيرمي 4/220، نهاية المحتاج 8/ 184.

([4])  أصول الدين (270).

([5])  حاشية البجيرمي 4/ 220.

([6])  المصدر السابق، وانظر: نهاية المحتاج 8/ 81 وما بعدها، وهذا الكلام يحتمل المناقشة، إذ ما المانع من اعتبار ظهور أحكام الشريعة الظاهرة، كالصلاة والصوم ورفع الأذان ونحوه؟!

([7])  فتح العزيز شرح الوجيز (8/14).

([8])  المحلى 11/200.

([9])  أحكام أهل الذمة 2/728.

([10])  انظر: تقسيم المعمورة في الفقه الإسلامي وأثره في الواقع (98).

([11])  أخرجه مسلم في كتاب الصلاة (575).

([12])  اختلاف الدارين وأثره في أحكام المناكحات والمعاملات (38).

([13])  بدائع الصنائع 7/131، وحاشية ابن عابدين 4/175، والمبسوط 10 / 114.

 

 

مواد جديدة

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف