خزانة الفتاوى / الصيام / أحوال المسافر في رمضان بين الفطر والصوم

أحوال المسافر في رمضان بين الفطر والصوم

تاريخ النشر : 9 ذو القعدة 1445 هـ - الموافق م | المشاهدات : 2535
مشاركة هذه المادة ×
"أحوال المسافر في رمضان بين الفطر والصوم"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار بهديه واقتفى أثره إلى يوم الدين، وبعد.
 
فإن مسألة الصوم للمسافر من المسائل التي اضطربت فيها الكلمة، بالرغم من وضوحها جدًَا من حيث الدليل، غير أنه لما كان بين النصوص شبه تعارض، فإن أمر المسافر لا يخلو حكمه حتما من ثلاثة أمور:
 
الأول: أن يباح له الفطر مطلقا، ولو كان قادرا على الصوم، عملا بقوله تعالى: { أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }البقرة184.
 
وفي الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ.
 
وهذا الفعل التطبيقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبحضرته يدل على توسعهم رضي الله عنهم في الأخذ بهذه الرخصة.
 
وحديث حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ. أخرجاه، وهذا لفظ مسلم.
 
الثاني: أن يؤذيه الصومُ ويضرُّه، ويشقُّ عليه مشقةً غيرَ محتمَلة، فهذا يحرم عليه الصوم، عملا بحديثين في هذا الباب:
 
الأول- حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما في صحيح مسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ وَصَامَ النَّاسُ مَعَهُ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ، وَإِنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَشَرِبَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ، إِلَيْهِ فَأَفْطَرَ بَعْضُهُمْ وَصَامَ بَعْضُهُمْ فَبَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا صَامُوا فَقَالَ: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ.
 
- وفي الصحيحين عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْا قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذَا. فَقَالُوا: صَائِمٌ. فَقَالَ: " لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ ".
 
فهذا الحديث محمول على من كان حاله كحال هذا الشخص.
 
الثالث: أن يقوى على الصوم، ويشق عليه مشقةً محتمَلة، فهذا السُّنَّةُ له الصوم، عملا بحديث أبي الدرداء رضي الله عنه في الصحيحين قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي يوم شديد الحر، حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ.
 
فهذا الحديث صريح في كون هدي النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم وهو مسافر، مادام قادرا على الصوم.
 
وبهذا التقسيم تجتمع الأدلة، وينجلي حكمُ هذِهِ المسألةِ، وأن المسافر لا يخلو حكمه من أن يباح له الفطر، ولو كان قادرا على الصوم، أو يشق عليه الصوم ويؤذيه، فيحرُم الصوم، أو يقدر على الصوم مع مشقة محتمَلة، فيُسن له الصوم، والله الموفق.
 
كتبه: د.محمد بن موسى الدالي
في 23/8/1432هـ
 
المادة السابقة

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف