المواد / المقالات / هل يجمع الصلاتين من وصل محل سفره، ونزل به؟

هل يجمع الصلاتين من وصل محل سفره، ونزل به؟

تاريخ النشر : 25 جمادى أول 1446 هـ - الموافق م | المشاهدات : 1804
مشاركة هذه المادة ×
"هل يجمع الصلاتين من وصل محل سفره، ونزل به؟ "

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط

د.الدالي: هل يجمع الصلاتين من وصل محل سفره، ونزل به؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فإن من مهمات مسائل الجمع في الصلاة ما إذا وصل المسافر المكان الذي سافر إليه، ونزل به، فهل يجمع الصلاة فيها باعتباره مازال متلبِّسا بوصف السفر، أم يصلي كل صلاة في وقتها عملا بظواهر السنة؟

اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: أن النازل له أن يجمع بين الصلاتين حال نزوله، وهو المشهور من مذهب مالك والشافعية والحنابلة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وجوَّزه الشيخ عبد العزيز بن باز وابن عثيمين رحمهم الله، وإن كان الأولى تركه عندهما. انظر: حاشية الدسوقي 1/585 ط.دار الكتب العلمية، والمهذب 4/253، ومغني المحتاج 1/530, المبدع2/117، وكشاف القناع2/ 621، ومجموع فتاوى ابن باز 12/ 297، والشرح الممتع 4/550- 553، والجمع بين الصلاتين (194) وما بعدها.

القول الثاني: أن النازل ليس له الجمع بين الصلاتين، وإنما يشرع الجمع لمن جدَّ به السير فقط، فإذا نزل انقطعت عنه هذه الرخصة، وهو رواية عن مالك، واختاره ابن حزم، وذهب إليه بعض الحنابلة، واختاره ابن القيم.المدونة الكبرى 1/205، ومواهب الجليل 2/154، وحاشية العدوي 1/337، والمحلى 3/171، وزاد المعاد 1/463، وأحكام السفر في الشريعة الإسلامية (144) وما بعدها.

الأدلة:

استدل القائلون بمشروعية الجمع للنازل بالآتي:

أولا: عن معاذ رضي الله عنه أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر, والمغرب والعشاء, فأخَّر الصلاة يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا, ثم دخل, ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا.أخرجه مسلم (4229).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ظاهره أنه كان نازلا في خيمة في السفر, وأنه أخر الظهر ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا, ثم دخل إلى بيته ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا, فإن الدخول والخروج إنما يكون في المنزل, وأما السائر فلا يقال: دخل وخرج بل نزل وركب .. وهذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع أحيانا في السفر، وأحيانا لا يجمع, وهو الأغلب على أسفاره.مجموع الفتاوى 24/64.

ثانيا: حديث أبي جحيفة رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بمكة بالأبطح، في حجة الوداع في قُبَّة له حمراء من أُدُم, قال: "فخرج النبي صلى الله عليه وسلم بالهاجرة عليه حُلة حمراء, فتوضأ وأذَّن بلال, ثم ركزت له عنزة فتقدم فصلى بهم بالبطحاء  الظهر ركعتين, والعصر ركعتين". أخرجه البخاري (181)، ومسلم (779).

 قال النووي رحمه الله: " فيه دليل على القصر والجمع في السفر, وفيه أن الأفضل لمن أراد الجمع وهو نازل في وقت الأولى أن يقدم الثانية إلى الأولى, وأما من كان في وقت الأولى سائرا فالأفضل تأخير الأولى إلى وقت الثانية". شرح النووي على مسلم 4/221، وانظر: السفر وأحكامه في ضوء الكتاب والسنة (80) وما بعدها.

قال ابن عبد البر: "هذا أوضح دليل في الرد على من قال: لا يَجمع إلا من جدَّ به السيرُ، وهو قاطع للالتباس". نيل الأوطار 3/262.

ثالثا: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة، من غير خوف ولا سفر.

رابعا: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي السَّفَرِ.أخرجه البخاري (1041).

وهذان الحديثان عامان في السفر، سواء كان راكبا سائرا أم نازلا.

خامسا: أنه إذا جاز الجمع للمطر ونحوه للمقيم، فجوازه للنازل في السفر من باب أولى.الشرح الممتع 4/550 - 553.

أدلة القول الثاني:

واستدل القائلون بأنه لا يشرع الجمع للنازل بالآتي:

أولا: عن نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَيَقُولُ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ". أخرجه البخاري (1678)، ومسلم (1140).

ثانيا: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إِذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ". أخرجه البخاري (1041)، ومسلم (1141).

قال ابن القيم: "ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم الجمع راكبا في سفره كما يفعله كثير من الناس، ولا الجمع حال نزوله أيضا، وإنما كان يجمع إذا جد به السير، وإذا سار عقيب الصلاة كما ذكرنا في قصة تبوك، وأما جمعه وهو نازل غير مسافر فلم ينقل ذلك عنه إلا بعرفة؛ لأجل اتصال الوقوف". زاد المعاد 1/463.

المناقشة:

تناقش هذه الأدلة بالآتي:

أولا: كونه يأتي في الحديث أنه كان يجمع إذا جدَّ به السير، فإن هذا لا ينفي أن يجمع وهو نازل، كما جاء هذا في الأحاديث السابقة، فليس في الأحاديث نفي الجمع وهو نازل، ولا النهي عنه، بل غاية ما فيها أن ناقلي هذه السنة من الصحابة رووا ما رأوه من حاله صلى الله عليه وسلم، ولم ينفوا غير هذه الحال.

ثانيا: أن حمل هذه السنة على حال من كان على ظهر السير فقط، أو جدَّ به السير ينفي العمل بمدلول الأحاديث الأخرى الدالة على أنه يجمع في السفر مطلقا، وقد جمع صلى الله عليه وسلم في عرفة وهو نازل، وعلى تقدير أن هذا أفضل لاتصال الدعاء في يوم عرفة، ولأنه يشق جمع الناس مرة أخرى، فإنه يدل صريحا على المشروعية والجواز، في الوقت الذي لم يقم من السنة ما يدل على النهي، أضف إلى ذلك جمعه وهو نازل بتبوك والأبطح، مما يزيد هذا الجواز تأكيدا.

ثالثا: على تقدير وجود تعارض بين نصوص القولين، فإن النصوص الدالة على جواز الجمع للنازل ناقلة عن الأصل، بينما الأحاديث الأخرى مبقية على الأصل، ومعلوم أن الناقل مقدم على المبقي على الأصل.

الدليل الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع وهو نازل بمنى، مما يدل على عدم المشروعية.الشرح الممتع 4/551.

المناقشة:

يناقش بأن هذا يدل على أنه يجوز ترك الجمع للنازل، ولا يدل على تحريم الجمع أو نفيه وعدم مشروعيته، فهو لا يزيد عن كونه فعلا، وترك الفعل لا يدل على التحريم ولا حتى الكراهة، كما أن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب.

الترجيح:

يترجح القول الأول القائل بجواز الجمع للنازل، وسواء كان جادا بالسير أم غير جاد؛ وذلك لقوة أدلته، وعدم سلامة أدلة القول الآخر من المناقشات.

إلا أنه بالنظر في السنة الصحيحة نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم على الجمع وهو نازل، بل المنقول عنه إنما هو أفراد ومرات قليلة، مما يدل على أن الأولى لمن كان نازلا أن يؤدي كل صلاة في وقتها، إلا من حرج، وجواز ذلك يجب أن يقيد بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن جمع وهو نازل أصاب السنة، ولم يجز الإنكار عليه، ومن ترك الجمع كان أقرب إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي داوم عليه، والله تعالى أعلم.

كتبه: د.محمد بن موسى الدالي

في 16/5/1430هـ

***

 

 


 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف