خزانة الفتاوى / الطهارة / المسح على جوربين أو خفين أحدهما فوق الآخر

المسح على جوربين أو خفين أحدهما فوق الآخر

تاريخ النشر : 21 جمادى أول 1440 هـ - الموافق 28 يناير 2019 م | المشاهدات : 2296
مشاركة هذه المادة ×
"المسح على جوربين أو خفين أحدهما فوق الآخر"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فهذه المسألة من أكثر المسائل وقوعا في الشتاء، وفيها صعوبة في تصورها العلمي؛ وبين يدي هذه المسألة يجب أن نعرف الآتي: 
أولا: الراجح من أقوال أهل العلم أن مدة المسح تبدأ من أول مسح بعد الحدث؛ وذلك أن النصوص الواردة كلها وقتت المسح، ولا يكون المسح مؤثرا معتبرا حتى يكون بعد حدث، ولم تجعل النصوص الحكم منوطا باللبس أو بالمسح المجرَّد عن الحدث، كما هما القولان الآخران في المسألة.
ثانيا: الطهارة وارتفاع الحدث لا يتعلقان بالخفين أو الجوربين، فالحَدَثُ وصفٌ معنويٌّ يحل بالبدن، أو بمواضع الوضوء الأربعة -على حدِّ تعبير بعض الفقهاء- فإن ارتفع بالوضوء، سواء بغسل القدمين أو بالمسح على الخفين ونحوهما، فإنه لا يعود الحدث بمجرد خلع الخف، سواء السفلي أم العلوي في حال وجوده، أو بهما جميعا، فلا ينتقض الوضوء أو يرتفع وصف الطهارة عن العبد إلا بموجب الدليل الشرعي، ولا دليل على نقض الوضوء بخلع الخف أو الجورب.
أما صور هذه المسألة، فهي  كالآتي: 
-  أن يلبس الخف على طهارة غسل، ولا يمسح عليه، ولا ينتقض وضوءُه، ثم يلبس آخر فوقه، ثم يمسح عليه، فهنا الحكم للعلوي في المدة، ولو خلع العلوي لم ينتقض الوضوء، ويمسح على السفلي، ويتم مدة العلوي، وهو ما رجحه شيخنا ابن عثيمين رحمه الله.
-  أن يلبس الخف على طهارة غسل، ثم يمسح عليه بغير نقض الوضوء، ثم يلبس الآخر فوقه، فهنا يصح المسح على العلوي، لأنه مازال ملبوسا على طهارة غسل لم تنتقض، وتبتدئ المدة بالمسح الأول بعد الحدث على العلوي، ولو خلعه فإنه يمسح على الأسفل، ويتم المدة عليه، كالمسألة السابقة.
 - أن يلبس الخف على طهارة غسل، ثم يحدث، ويتوضأ ويمسح، ثم يلبس الثاني عليه، فالحكم في تلك الحال للأول، وتبدأ المدة من أول مسحة عليه بعد الحدث، لكن هل يمسح على العلوي؟ تنازع في ذلك أهل العلم:
فمن أهل العلم من يرى أن الثاني ملبوس على طهارة مسح، فلا يمسح عليه، ويخلعه ويمسح على الأسفل فقط، أو يدخل يده من تحت الأعلى، ويمسح على الأسفل.
ومنهم من يرى أن يمسح عليه، ويتم مدة الأول؛ لأنه يعتبر لابسا له على طهارة، وهي طهارة المسح، فينطبق عليه قوله صلى الله عليه وسلم للمغيرة رضي الله عنه: (فقد أدخلتهما طاهرتين) وهذا عام، يشمل طهارة الغسل والمسح.
وهذا عندي فيه إشكال على القولين:  أما الأول، وهو كونه يخلع الثاني ليمسح عليه أو يدخل يده فيمسح على الأسفل، فهذا محل نظر؛ لأنه خلع الخف العلوي ليمسح على خف آخر، ولا فرق عندي بينهما، وكونه ابتدأ المسح على السفلي، لا يعني أن الطهارة تعلقت به، إنما حصلت الطهارة للبدن بهذا المسح!
وأما الثاني، واعتبارُهُ لُبِسَ على طهارة -وهي طهارة المسح على الخف السفلي- ، فهذا أيضا محل نظر، لأن قوله صلى الله عليه وسلم: (أدخلتهما طاهرتين) محمول على الطهارة المعهودة، وهي طهارة الغسل، وهذا ما عليه عامة أهل العلم، ودخول طهارة المسح في هذا النص بعيد.
والاحتياط عندي عدم المسح على الثاني في تلك الحال، فيمسح على الأسفل فقط كما هو القول الأول، بخلع العلوي، أو إدخال اليد من تحته ليمسح على الأسفل.
 ويلحق بهذه المسألة على المختار فيها: ما لو لبس الخف على طهارة غسل، ثم أحدث، ولم يتوضأ، ثم لبس خفا أو جوربا آخر فوقه، ففيه نفس الخلاف السابق، لكنه هنا أقوى، حيث إنه لم يلبس الثاني على طهارة مسح، فيكون الحكم للسفلي من باب أولى، فيخلع الثاني، ويمسح على السفلي، أو يدخل يده من تحت العلوي، ويمسح السفلي.
 كما يلحق بهذا التقسيم لبس الجزمة ونحوهها فوق الخفين أو الجوربين، ففيها نفس الأقسام السابقة، سواء كانت الجزمة قد غطت الكعبين أم لا.
** تنبيه: يجوز المسح على الجزمة وما شابهها استقلالا، بشرط أن تكون ساترة للكعبين وتكون بمثابة الخف تماما.
أما إن استقلت، وهي دون الكعبين، ولا جورب تحتها أو تحتها جورب دون الكعبين، فلا يصح المسح عليها أو عليهما على القول الراجح، وهو وجوب تغطية الجورب أو الخف لمحل الفرض في الوضوء، وهذا القول أقوى من قولِ مَنْ لم يشترط ذلك، وذلك أن الخف المعهود عند العرب هو ما كان ساترا للكعبين، وهو ما دلت عليه السنة صريحا، في قوله صلى الله عليه وسلم: ( فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين) فدل على أن الخف في لسان العرب ما كان ساترا للكعبين، فتُرَدُّ الأحكام إلى معناه اللغوي.
وبالله تعالى التوفيق.
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 22/5/1440هـ
 

مواد جديدة

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف