المواد / المقالات / وقفات مع من يبيح قول: "مدد يارسول الله"!!

وقفات مع من يبيح قول: "مدد يارسول الله"!!

تاريخ النشر : 25 ذو الحجة 1440 هـ - الموافق 27 اغسطس 2019 م | المشاهدات : 2180
مشاركة هذه المادة ×
"وقفات مع من يبيح قول: "مدد يارسول الله"!!"

مشاركة لوسائل التواصل الاجتماعي

نسخ الرابط
وقفات مع من يبيح قول: "مدد يارسول الله"!! الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد فقد انتشر الآونة الأخيرة كثرة من ينادي بجواز أن يقول المسلم: "مدد يارسول الله" أو: "مدد ياحسين"، أو "ياعلي"، ونحوه ! وقد حاول البعض التمحل والممحاكة في إثبات جواز ذلك، حتى إن القاريء ليستاء من شدة التدليس والخداع أحيانا، في استعمال الألفاظ، وتحويرها وتحريفها ونقلها عن معانيها الثابتة في لسان العرب، إلى معانٍ لم تعلم ولم تسمع من قبل، أو ثنيِّ الدليل عما يراد به بتحريف وتأويل، أو الاستدلال بنصوص ضعيفة بالاتفاق، أو صحت ولها معانٍ غير ما يريدون، والله المستعان، وأقف مع المجيز في وقفات: الوقفة الأولى: بدايةً، المدد هو الغوث والعون، بما ينفع، سواء كان حسيا أم معنويا. وطلب المدد بالمعنى المشتهر، والذي هو محل البحث والنقاش، هو: طلب الغوث والإعانة، من ميت، مرَّ على موته مئات السنين، ولا يتصور لطلب المدد من النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد الصالحين، إلا هذا المعنى؛ إذ إن من يتكلم في هذه المسألة لا يقصد غيرها، فلا يقصد طلب المدد من الحي في أمر هو قادر عليه، إنما الكلام كله متوجه إلى طلب المدد من نبي أو ولي ونحوه، وهم أموات. ثم هل يفهم من قول: "مدد يارسول الله" غير أغثني، وأدركني، وأعطني، وانفعني، وخُذ بيدي، وأخرجني من كربي، وغيره، مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى؟! فلم المماحكة، والتدليس على المسلمين؟! الوقفة الثانية: مع أدلة المجيزين: أول أدلتهم هي النصوص التي فيها جواز طلب المدد من الحي، مع قدرته عليه!! وطلب المدد إن كان من الحي، مع قدرته عليه، فهو جائز في قول عامة أهل العلم، وليس محل النزاع، فهذا ضرب من التدليس في الاستدلال؛ إذ لا ينازع في هذا الأمر أحد أصلا؟. فطلب الصحابة رضي الله عنهم المدد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليمدهم بجنود في قتالهم ومغازيهم ونحوه، لا إشكال في جوازه، وليس هو ما وقع فيه النزاع، فالاستدلال بذلك ضرب من ضروب التدليس. وكون رِعْلٍ، وَذَكْوَان، وَعُصَيَّةَ، وَبَنِي لَحْيَانَ، اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَدُوٍّ، فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ، فهذا جائز بالإجماع، وليس هو ما وقع في النزاع، والاستدلال به ضرب من ضروب التدليس. فلا دليل في ذلك على ما نحن بصدده، إنما هو دليل على جواز المدد من الحي فيما يقدر عليه، وهذا لا نزاع في جوازه! فكل طلبِ مَدَدٍ من هذا الجنس، فهو مدد من الأحياء فيما يقدرون عليه، وهو جائز بالإجماع، لم ينازع فيه أحد، فحينما تسوق الأدلة على هذا النحو، فهو تدليس على القارىء؛ لأنه لا نزاع أصلا في هذا النوع من طلب المدد!! فهذا بدقة ما صنعه من أجاز طلب المدد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الصالحين، فجعل يلبِّس على الناس بذكر هذه الوقائع والقصص، الصحيحة بلا شك، لكنها في غير موضع النزاع، فقط لمجرد ذكر المدد فيها!! لكن أنى له أن يأتي بدليل واحد على جواز طلب المدد من الحي فيما لا يقدر عليه، ولا الميت من باب أولى! ثم مجرد وقوع كلمة "المدد" في كتاب الله لا يعني جواز طلب المدد من النبي صلى الله عليه وسلم أو من غيره، بعد مماته، أو في حياته، وهو لا يقدر عليه. ومن أدلتهم: جملة من النصوص الضعيفة الواهية من جنس: " إذَا أَضَلَّ أَحَدُكُمْ شَيْئًا، أَوْ أَرَادَ أَحَدُكُمْ عَوْنًا، وَهُوَ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ، فَلْيَقُلْ: يَا عِبَادَ اللَّهِ أَغِيثُونِي، يَا عِبَادَ اللَّهِ أَغِيثُونِي؛ فَإِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لا نَرَاهُمْ" أو "فَلْيُنَادِ: يَا عِبَادَ اللَّهِ، احْبِسُوا عَلَيَّ، يَا عِبَادَ اللَّهِ احْبِسُوا عَلَيَّ" ونحوه، فنحو هذا الاستدلال تضليلٌ على المسلمين، فهي نصوص ضعيفة في قول أكثر أهل الحديث. لكن على التسليم والتنزُّل، وعلى تقدير صحتها، فهل فيها استغاثة بالأموات؟! إنما غاية ما فيها أن لله تعالى عبادا لا نراهم، قد يسخرهم الله تعالى للعبد، لو صدق في ندائهم، التزاما بالتوجيه النبوي، لأجابوه وأعانوه، ولا يُعلم خلقٌ للهِ تعالى لا نراهم إلا الجنُ والملائكةُ، وليس هذا ببعيد، فقد سخرهم الله تعالى لنصرة نبيه صلى الله عليه وسلم في بدر، فلا يبعد أن يسخرهم الله تعالى لصادقي عباده إن طلبوا ذلك منه؛ إيمانا بالله تعالى، وتصديقا لرسوله صلى الله عليه وسلم، وليس في ذلك دليل البتة على جواز سؤال الميت، أو الاستغاثة به، أو طلب المدد من الأولياء والأغواث والأقطاب!! إنما هم خلق الله الذين لا نراهم، من الجن أو الملائكة، إن سخرهم الله تعالى لنا، بالصدق والاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واليقين بالله تعالى. أما أن يقال: إن أمر الشارع بندائهم عام لجميع الغائبين، ومن جنس التوسل بهم!! فهذا من الباطل، ولم يدل عليه الدليل، لا من قريب ولا من بعيد. أما تقوية هذه النصوص بالشواهد والمتابعات، فإن هذا النوع من النصوص ليس في الترغيب والترهيب، حتى يُتساهل فيه، فيتقوى الضعيف بوجود شواهد ومتابعات له!! لا، بل هذا مخالف لأصل دين الله تعالى، وهو التوحيد، والاستعانة بغير الله، فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، فلا مجال لمحاولة تصحيحها بشواهدها. ومن أدلتهم: قولهم: ليس المقصود بطلب المدد، المددَ الحسيَّ، إنما المقصود المدد المعنوي!! والمراد به غير واضح، وهل بذلك يخرج عن كونه طلبا من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ميت؟! وماذا يعني هذا المدد المعنوي؟ فإن كان يريد بالمدد المعنوي حبَّه صلى الله عليه وسلم فهذا يحصل بطاعته، ولزوم سنته، وإن كان يريد نصرته، فهذا من الطلب الحسي المحرم، وإن كان يريد الدعم النفسي، والراحة المعنوية، فهذه تحصل بدون طلب المدد؛ لأنها ليست في يد النبي صلى الله عليه وسلم، لا في حياته، ولا بعد مماته، إنما بيد العبد نفسه، وذلك بلزوم هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فلستَ بحاجة لطب المدد إذن، فقط الزم الهدي والسنة، تنال هذا القرب المعنوي، والأجر والمثوبة في الآخرة. ثم إن فهمنا هذا كله في جانب النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون في جانب الصالحين والأولياء؟! الوقفة الثالثة: ربما لم يفهم بعضهم الفرق العظيم بين الاستعانة بغير الله فيما يقدر عليه وهي جائزة بلا نزاع، وفيما لا يقدر عليه، وهو لا يجوز بالإجماع أيضا، فيجوز أن تطلب من الطبيب أن يعالجك، لكن لا يجوز أن تطلب منه الشفاء، فالعلاج يقدر عليه الطبيب، أما الشفاء، فلا يقدر عليه إلا الله تعالى، فلا يجوز طلبه إلا من الله تعالى. ويجوز أن تطلب من الميكانيكي تصليح السيارة، فهو يقدر على ذلك، لكن لا يجوز أن تطلب منه عدم تلف السيارة مطلقا، فهذا لا يقدر عليه إلا الله؛ إذ السلامة من الحوادث والتلفيات ليست في مقدورالبشر، فلا يطلب إلا من الله تعالى، وهلم جرًّا. فهذا الخلط بين ما يقدر عليه العبد وما لا يقدر عليه أوجب الوقوع في مثل هذا الخطأ العظيم. الوقفة الرابعة: أخي المُجِيز، هل غابت عنك نصوص الشريعة الكثيرة المترادفة المتوافرة والمحرِّمة لسؤال غير الله تعالى، فيما لا يقدر عليه الأحياء، فضلا عن الأموات، حتى تناضل هذا النضال من أجل إثبات هذا الأمر؟! هل قرأت الفاتحة مئات المرات، وأنت تقول: (إياك نعبد وإياك نستعين) ودرست أن تقديم الضمير المنفصل في قوله: (إياك نستعين) يفيد الحصر، أي: لا نطلب العون من أحد غيرك ياألله، ونظائر هذه الآية في كتاب الله تعالى -وأنت قاريء له كثيرة جدا-. وفي الحديث الصحيح: (وإذا استعن فاستعن بالله) أي: لا غيره، وفي الحديث الصحيح الذي هو أصح من أحاديثكم الواهية، قال صلى الله عليه وسلم: (إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله)، وهذا قاله صلى الله عليه وسلم يقصد به وهو في حياته، أَفَترَاه صلى الله عليه وسلم يُجيز أن يستغاث به بعد مماته؟! اللهم أعذنا من الخزي وسوء الفهم. فنصوص الشرع في هذا الباب من أشد ما يكون انضباطا وتحفظا، بحيث لا يحتمل الأمر الخوض ولا العبث فيه، بل الواجب أخذ الحيطة ما أمكن في أمر الاستعانة بالأحياء، فضلا عن الأموات. الوقفة الخامسة: هل قرأت القرآنَ أخي المُجِيز، وعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى قدرته على دفع الضر عن نفسه، أو جلب النفع لها، وهي نفسُهُ التي بين أحشائه، وهو في حياته صلى الله عليه وسلم، كما نفى قدرته على ذلك لغيره؟! قال تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 188] وقال تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } [يونس: 49]. أفيعجز عن ذلك وهو حيٌّ صلى الله عليه وسلم، ويقدر عليه بعد مماته؟! الله المستعان. الوقفة السادسة: ثم أين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الطلب، وهو حيٌّ بينهم، أو وهو ميتٌ مدفون بين أظهرهم؟!! أليسوا هم أفقه الناس، وأقرب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلم الناس بالتوحيد، وأحرص الناس على حفظ جنابه؟! فلو كان هذا جائزا، لا يناقض الدِّينَ، فلِمَ لم يطلبوه منه صلى الله عليه وسلم، وهو أولى مَن يُطلَبُ منه المدد، لو كان يملكه صلوات الله وسلامه عليه؟! لكنَّ تركَهُم إياه مع القدرة عليه دليلٌ صريحٌ على عدم مشروعيته، وأنه ليس من الدين، سيما وقد علم شدة حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والتزامهم بهديه. الوقفة السابعة: لو كان طلب المدد من الحي فيما لا يقدر عليه جائزا، أَفَلَمْ يُهزمْ الصحابةُ رضي الله عنهم، وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أُحُدٍ، وفي حُنين؟! أفَتَرَى لو كان طلب المدد والغوث والعون منه صلى الله عليه وسلم فيما ليس في مقدوره جائزا، أيتركه الصحابة رضي الله عنهم، سيما في هذا الضيق والحرج؟! فسكوتهم وعدم طلب ذلك منه وهو حيٌّ صلى الله عليه وسلم دليل قاطع على عدم جوازه، فكيف يجوز وهو ميت صلى الله عليه وسلم؟! الوقفة الأخيرة: أخيرا أخي المُجيز، أحسبك من أهل العلم، وقد علمت نصوص الكتاب والسنة المشدِّدة في وجوب حصر الاستعانة بالله تعالى، والتشديد في هذا الأمر، فعلى تقدير سلامة أدلتك -كما زعمت- مع أن بها ما بها!!، لكن تنزُّلًا، وعلى تقدير سلامتها، فهل من الحكمة والفقه في الدين أن تناضل من أجل إثبات جواز الاستعانة وطلب المدد من الأموات أو حتى الأحياء، فيما ليس من مقدورهم؟! أليس الأولى بك أن تصون جناب التوحيد، وتبذل مالك ودمك من أجل حمايته وحفظه؟! وتكفَّ لسانك عن ذكر ما يعارضه، فتلقى الله تعالى، وقد حافظت على دينه، وصُنْتَه؟! فاربأ بنفسك أخي الكريم أن تكون معولَ هدمٍ ونقضٍ لدين الله تعالى، مُعِينا على نشر الباطل، سالكا طريق المفسدين، والزم طريق سيد المرسلين، صلى الله عليه وسلم، الحافظ لجناب التوحيد، القائل: (وإذا استعنت فاستعن بالله) والقائل: (أجعلتني لله ندًّا؟َ! قل ماشاء الله وحده) والقائل: (من حلف بغير الله فقد أشرك) .. إلخ من نصوص عظيمة، قالها جميعا صيانةً لجناب التوحيد، فما بالك تستهين به، وتجرِّىء عليه الناس؟! أسأل الله تعالى لي ولكم أن يرشدنا إلى الحق، وأن يلهمنا رشدنا والصواب، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله ولي التوفيق كتبه: د. محمد بن موسى الدالي في:26/ 12/ 1440هـ
 

التعليقات (0)

×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف