الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فقد وقع بعض الاضطراب في مشروعية القنوت لرفع الوباء الذي حل في ديار الإسلام، وغيرها، وهو المسمى بالكرونا، وهل يقنت له أم لا؟
فالجواب: أنه قد ثبت في السنة الصحيحة القنوت للنوازل العظمية التي تحل بالمسلمين، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: "أَنَّ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَدُوٍّ فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ، كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ. وهو في الصحيحين.
وسبب الاضطراب في الفتوى بمشروعية القنوت من عدمه أمران:
الأول: هل القنوت يجب أن يكون خاصًّا بالسبب الوارد في الحديث، أم يجوز لكل نازلة، ولو كانت وباءً؟
الثاني: على تقدير تعميمه في كل نازلة، ماذا عن فعل عمر رضي الله عنه حينما نزل بهم وباء الطاعون، ولم ينقل أنهم قنتوا، ولو فهموا أن كل نازلة يقنت لها لقنتوا له، كما أن الأصل في العبادات التوقيف؟
أما الأمر الأول، فلا يظهر أن الحكم خاص بقتل أفراد من المسلمين؛ إذ لو كان الأمر كذلك لنبَّه النبي صلى الله عليه وسلم أن الحكم خاص بتلك الصورة، وأنه لو نزل بالمسلمين غير ذلك لم يقنت، والأصل التعميم في الأحكام، فكل ما ينزل بالمسلمين من مصاب عظيم جللٍ، يستدعي الدعاءَ العامَ، ويشرع له القنوت، ولا يفهم تخصيص الحكم إلا بقرينة تدل على ذلك، فهذا هو الظاهر من النص، ولا شك أن ما وقع بالمسلمين فيما يتعلق بوباء الكرونا عظيم جدا، يستدعي الدعاء والتذلل والإلحاح وزيادةً.
وأما الأمر الثاني: فغاية ما يقال فيه: إن عدم نقله ليس نقلا للعدم، فالنقل في زمن التشريع نعم دليل صريح على عدم الفعل؛ لأن الله تعالى تعهد بحفظ شرعه ودينه، فيسخر له من ينقل ما ينفع المسلمين، أما بعده، فلا حجة في عدم النقل، فلا يبعد أنهم قنتوا، وقد يكونوا اجتهدوا، ولم يقنتوا طلبا للشهادة، وإتماما للأجر، حيث ثبت أن المطعون شهيد، كما في الصحيحين.
فالذي يظهر لي مشروعية القنوت، وأن ما حل بالمسلمين من هذا الوباء قد يكون أعظم من حيث المصابُ من قتلِ جماعةٍ من المسلمين على أيدي الظلمة، حيث هو مصاب عام يصيب الجميع.
فأرى سنية القنوت لسؤال الله تعالى رفع هذا البلاء، مع إظهار التذلل ابتداء إلى الله تعالى، وسؤاله تعالى أن يرفع مقته وغضبه عن المسلمين، فما أكثر الذنوب والمعاصي، وهذا هو الأهم في الدعاء، وأن يعفو ويغفر لنا ويصفح سبحانه، ثم التثنية بسؤاله تعالى العفو والعافية والسلامة من البلاء والوباء والآفات وسيء الأمراض والأسقام.
كما أنه لا ينبغي الإنكار على من قنت، ولو تركه لم يكن مُلامًا أيضا، فلا يعدو الأمرُ تركَ سنةٍ.
تنبيه: القنوت سنة في صلاة الفرائض فقط، في الرفع من الركوع الأخير، ولو جعله قبله فلا بأس، فقنوته صلى الله عليه وسلم كان بعد الرفع من الركوع، وهو الأكثر، وقبل الركوع في الركعة الأخيرة، قال أنس رضي الله عنه: "كنا نقنت قبل الركوع وبعده".
ويقنت حتى يرى أنه قد أوفى، وليس بالضرورة حتى ارتفاع المرض، ولو أطال فيه حتى رفع المرض، فهو خير.
وليس له دعاء خاص على الأرجح، لكن لكل مقام مقال، فالمشروع عند القنوت للنوازل أن يدعو بما يناسب الحال، وليس كما هو الحال في قنوت التراويح.
والله تعالى الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 25/7/1441هـ
هل القنوت يشرع في نازلة بلاء الكورونا؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
فقد وقع بعض الاضطراب في مشروعية القنوت لرفع الوباء الذي حل في ديار الإسلام، وغيرها، وهو المسمى بالكرونا، وهل يقنت له أم لا؟
فالجواب: أنه قد ثبت في السنة الصحيحة القنوت للنوازل العظمية التي تحل بالمسلمين، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: "أَنَّ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَدُوٍّ فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ، كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ. وهو في الصحيحين.
وسبب الاضطراب في الفتوى بمشروعية القنوت من عدمه أمران:
الأول: هل القنوت يجب أن يكون خاصًّا بالسبب الوارد في الحديث، أم يجوز لكل نازلة، ولو كانت وباءً؟
الثاني: على تقدير تعميمه في كل نازلة، ماذا عن فعل عمر رضي الله عنه حينما نزل بهم وباء الطاعون، ولم ينقل أنهم قنتوا، ولو فهموا أن كل نازلة يقنت لها لقنتوا له، كما أن الأصل في العبادات التوقيف؟
أما الأمر الأول، فلا يظهر أن الحكم خاص بقتل أفراد من المسلمين؛ إذ لو كان الأمر كذلك لنبَّه النبي صلى الله عليه وسلم أن الحكم خاص بتلك الصورة، وأنه لو نزل بالمسلمين غير ذلك لم يقنت، والأصل التعميم في الأحكام، فكل ما ينزل بالمسلمين من مصاب عظيم جللٍ، يستدعي الدعاءَ العامَ، ويشرع له القنوت، ولا يفهم تخصيص الحكم إلا بقرينة تدل على ذلك، فهذا هو الظاهر من النص، ولا شك أن ما وقع بالمسلمين فيما يتعلق بوباء الكرونا عظيم جدا، يستدعي الدعاء والتذلل والإلحاح وزيادةً.
وأما الأمر الثاني: فغاية ما يقال فيه: إن عدم نقله ليس نقلا للعدم، فالنقل في زمن التشريع نعم دليل صريح على عدم الفعل؛ لأن الله تعالى تعهد بحفظ شرعه ودينه، فيسخر له من ينقل ما ينفع المسلمين، أما بعده، فلا حجة في عدم النقل، فلا يبعد أنهم قنتوا، وقد يكونوا اجتهدوا، ولم يقنتوا طلبا للشهادة، وإتماما للأجر، حيث ثبت أن المطعون شهيد، كما في الصحيحين.
فالذي يظهر لي مشروعية القنوت، وأن ما حل بالمسلمين من هذا الوباء قد يكون أعظم من حيث المصابُ من قتلِ جماعةٍ من المسلمين على أيدي الظلمة، حيث هو مصاب عام يصيب الجميع.
فأرى سنية القنوت لسؤال الله تعالى رفع هذا البلاء، مع إظهار التذلل ابتداء إلى الله تعالى، وسؤاله تعالى أن يرفع مقته وغضبه عن المسلمين، فما أكثر الذنوب والمعاصي، وهذا هو الأهم في الدعاء، وأن يعفو ويغفر لنا ويصفح سبحانه، ثم التثنية بسؤاله تعالى العفو والعافية والسلامة من البلاء والوباء والآفات وسيء الأمراض والأسقام.
كما أنه لا ينبغي الإنكار على من قنت، ولو تركه لم يكن مُلامًا أيضا، فلا يعدو الأمرُ تركَ سنةٍ.
تنبيه: القنوت سنة في صلاة الفرائض فقط، في الرفع من الركوع الأخير، ولو جعله قبله فلا بأس، فقنوته صلى الله عليه وسلم كان بعد الرفع من الركوع، وهو الأكثر، وقبل الركوع في الركعة الأخيرة، قال أنس رضي الله عنه: "كنا نقنت قبل الركوع وبعده".
ويقنت حتى يرى أنه قد أوفى، وليس بالضرورة حتى ارتفاع المرض، ولو أطال فيه حتى رفع المرض، فهو خير.
وليس له دعاء خاص على الأرجح، لكن لكل مقام مقال، فالمشروع عند القنوت للنوازل أن يدعو بما يناسب الحال، وليس كما هو الحال في قنوت التراويح.
والله تعالى الموفق
كتبه: د. محمد بن موسى الدالي
في 25/7/1441هـ